فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: يبدو قرار شرطة الاحتلال بمنح التصريح للمستوطنين بإقامة مسيرة الأعلام في باب العامود ليس أكثر من عملية انتقام يقودها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو من تلميذه السابق ومنافسه الحالي نفتالي بينيت الذي سيتحقق له بعد غد الأحد حلم لم يكن يتوقعه يتمثل توليه رئاسة الوزراء، فيما يصر ّ نتنياهو على تحويل الحلم إلى كابوس.
يأتي القرار بتنظيم المسيرة في ظل توصيات وتقديرات من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن ذلك قد يتسبب بتصعيد مع قطاع غزة ومواجهات في القدس والضفة الغربية والداخل المحتل، وهي الساحات التي تمثل بالنسبة للإسرائيليين سيناريوهات الاشتباك المتوقع.
ويمثل قرار إقامة المسيرة ليس تحديا لأجهزة أمن الاحتلال فحسب، بل أيضا للمقاومة الفلسطينية التي هددت في أكثر من مناسبة بأنها ملزمة بالرد على أي اعتداء واسع في القدس، وهو ما يضع على عاتقها مسؤولية الرد والوفاء لمعادلتها التي صنعتها بخصوص المدينة في معركة سيف القدس في مايو الماضي.
ولكن المقاومة التي خاضت 11 يوما من القتال بشكل منظم ومركزي انطلاقا من قطاع غزة، لا تزال تنظر للضفة الغربية كساحة استراتيجية للمواجهة، وفي هذا السياق والاتجاه تضع جهدا أمنيا وسياسيا ودعائيا وإعلاميا، بناء على قراءة للتخوفات الإسرائيلية من عودة الضفة إلى حالة المواجهة، وهو ما يعتبره الإسرائيليون ذروة الخطر، لأسباب تتعلق بالجغرافيا الأمنية لهذه الساحة.
وفي المرتبة الثانية بعد الضفة، تقع القدس في دائرة أولويات الأمن الإسرائيلي، فكل مشاريع الأسرلة والتطويع الثقافي والاقتصادي كان الهدف منها تحييد المقدسي عن قضاياه العامة لخطورة فعاليته السياسية في حيزه، وهو ما أثبت فشله في السنوات الأخيرة، وكان آخر تتويج لهذا الفشل في رمضان الماضي، وبالتالي فإن إذكاء حالة الاشتباك بالقدس، يعني الضرب في عصب الرؤية الأمنية الإسرائيلية بخصوص المدينة.
وبالنسبة للداخل المحتل، فهو يشكل المعادلة الأخطر في كل الحسابات الأمنية الإسرائيلية، لكن مدى فعالية هذه الساحة في أي مواجهة على المدى القريب يبدو غير متوقع، إذا ما أُخذ بعين الاعتبار أن الاحتلال شن حملات اعتقال طالت أكثر من 2500 فلسطيني هناك، واتخذ إجراءات أمنية مشددة، قد تساهم مؤقتا في تطويق فعل الاشتباك في هذه الساحة، التي قد تعود على شكل مفاجأة في أي وقت.
وتأتي غزة كواحدة من أهم ساحات الفعل المقاوم وأخطرها وأكثرها ردعا، لكن المعادلة التي تحاول المقاومة أن تصل لها منذ سنوات، هي أن تصنع غزة الانتصارات الكبيرة، فيما تتولى القدس والضفة عملية استنزاف الاحتلال ومستوطنيه وجنوده بشكل يومي مستمر، فأدوات الصراع أو المواجهة الموجودة في غزة ليست ذاتها التي في الضفة وكذلك في القدس، وهو ما يعني أن استخدامها يحتاج لحسابات أكبر وأكثر تعقيدا.
تستند الرؤية السابقة إلى منطقين، الأول مرتبط بتفكيك الأمن الإسرائيلي لخطورة كل ساحة، والثاني يتعلق بالقراءة الاستراتيجية للمقاومة في إطار إدارة الصراع مع الاحتلال، وهذا يؤسس للافتراض بأن المقاومة قد تسعى لاستنهاض الضفة الغربية عبر مجموعات مسلحة تابعة لها، وبالتالي عودة الكفاح المسلح في هذا المكان الخطر بالنسبة للإسرائيليين، وأيضا زيادة وتيرة المقاومة الشعبية في القدس، للرد على أي اعتداء الاحتلال في المدينة المقدسة بما في ذلك مسيرة الأعلام.