ثار جدل بين رواد وسائل التواصل الاجتماعي حول إسناد المقاومة في غزة لهبة القدس، ففي حين يرى البعض بأنه فعل ايجابي يرفد الهبة الشعبية في القدس ويقوي موقفها، يرى آخرون بأنه فعل سلبي سيضر بالهبة الشعبية، وسيجرنا لحرب تكون اليد العليا فيها لإسرائيل، فعلى ماذا استند هذا الفريق!
يستند هذا الفريق على افتراض أساسي، أن المقاومة الشعبية هي وحدها المجدية، بالاستناد على ما حصل في انتفاضة العام 1987، وأن "العسكرة" ستكرر نتائج انتفاضة الأقصى سنة 2000. ينطلق هذا الافتراض من مغالطة تاريخية، ويسقط من اعتباره تغير الظروف المحيطة منذ العام 1987، ناهيك عن اعتبار نتائج انتفاضة الأقصى "كارثية"، مع العلم بأن انتفاضة 87 جلبت سلطة أوسلو، بينما انتفاضة الأقصى ساهمت (مع عوامل أخرى) في إخراج الاحتلال المباشر من قطاع غزة، وإخلاء بعض المستوطنات في شمال الضفة...
يعيش أصحاب هذا الرؤية حالة من الحنين للماضي (النوستاليجيا)، ويسقطوا من حساباتهم وجود السلطة الفلسطينية المرتبطة بمعاهدات واتفاقيات تلزمها بقمع أي تحرك ضد الاحتلال... وهذا يحيلنا إلى الاستشهاد بما حدث في هبة باب الأسباط سنة 2017، لقد راهن البعض وقتئذ على "تدحرج" هذه الهبة وتطورها لتشمل باقي المناطق الفلسطينية، لكن الواقع صدم الجميع ولم يحصل ذلك، ففي ظل تقسيمات أوسلو الجغرافية (مناطق أ، ب،، ج) التي تحول دون الاحتكاك المباشر مع الاحتلال، وتضع قوات الأمن الفلسطينية كحاجز، لم تتطور هذه الحالة لتتحول إلى انتفاضة شعبية، وإنما بقيت محصورة في المناطق التي لا توجد فيها سيطرة للسلطة الفلسطينية، وكلنا يذكر هتافات المقدسيين وقتئذ "مشان الله يا ضفة يلا"...في الهبة الحالية في القدس استوعب المقدسيين هذا المتغير لنجد تحول في هتافاتهم "مشان الله يا غزة يلا"....أدرك المقدسيين بأن "ظروف" أهل الضفة تحول دون انخراطهم في الهبة، علاوة على إدراكهم أن المحتل يحسب حساب تدخل غزة، أكثر من أي شيء....
الخلاصة:
ربما نختلف مع المقاومة احياناً، لكننا لا نختلف معها في المبدأ...العمل المقاوم تراكمي ولا يؤتي ثماره دفعه واحدة، لا يوجد تناقض في تنويع أشكال المقاومة وأساليبها، فأهل مكة أدرى بشعابها، قرار تدخل غزة اتخذ بشكل جماعي من جميع الفصائل، وسيدفع الجميع ثمنه، فالذين اتخذوا هذا القرار هم أول من سيدفع الثمن، من أمنهم الشخصي، وأرواحهم وممتلكاتهم.