أخيراً، يمكن للشعب الفلسطيني أن يستعيد حقه الأصيل في اختيار قياداته ومن يدير مؤسساته الوطنية. أقول يمكن لأن اتفاق الفصائل وخطاباتها الإيجابية، وإنجازات لجنة الانتخابات المركزية، لا تشكل ضمانة أكيدة لإتمام عملية الانتخابات بمختلف مراحلها.
لقد سبق أن تم إصدار مراسيم بإجراء الانتخابات لكنها لم تحصل. يضاف الى ذلك، أنه لا طرف في هذا الكون يمكن أن يشكل ضمانة بإجرائها حتى النهاية، إذا خضعت الإرادة الوطنية للتردد وارتهنت للحسابات الفئوية والشخصية والفصائلية.
من الواضح أن خارطة الطريق التي اتفقت عليها الفصائل في اجتماع القاهرة ليست كاملة، فثمة اجتماع في آذار المقبل لمناقشة ملف الانتخابات في منظمة التحرير، فضلاً عن أن الخارطة لا تنطوي على وضوح إزاء ما سيأتي بعد الانتخابات، وما إذا كانت هذه ستشكل بداية حقيقية لإنهاء الانقسام او إدارته.
الأسئلة المتشككة لا تزال تعلو على الوضوح، ولا تزال تبحث عن إجابات لا يملكها احد، حتى لو أن طرفا يملك إجابات قريبة من الوضوح فإن غياب الوضوح عند الأطراف الأخرى، من شأنه أن يبقي حالة الغموض.
في الواقع، إن الانتخابات القادمة، ستختلف تماما عن سابقاتها وذلك بسبب تطبيق نظام النسبية، الذي يعطي لكل قائمة حقها الطبيعي استنادا الى شعبيتها، ودون ادعاءات ذاتية لا علاقة لها بالواقع.
هذه الانتخابات تضمن توسيع دائرة المشاركة، بغض النظر عن اختلاف الحجوم بين الكتل الانتخابية، وبحيث تصبح هناك قيمة حقيقية للكتل التي قد لا تحصل على عدد معقول من المقاعد في التشريعي.
ففي ضوء التوقعات، فإن أياً من الفصائل، وتحديداً الفصيلين الكبيرين "فتح" و"حماس"، لن يحصل على أغلبية في المجلس تمكنه من التحكم في القرار، او تشكيل حكومة دون شراكات.
كمثال على ذلك، الانتخابات التي جرت في جامعة بيرزيت لأكثر من مرة، وحصلت فيها قوائم حركتي فتح وحماس على عدد متقارب جداً من المقاعد، فإن القرار، بشأن الرئاسة وتوزيع مقاعد المجلس المنتخب يعود الى الجبهة الشعبية التي حصلت فقط على خمسة مقاعد، او لأي كتلة أخرى قد تكون حصلت على مقعدين او ثلاثة.
في موضوع القوائم والتحالفات، لا يزال الأمر غامضا رغم كثرة الحديث عن قائمة وطنية موحدة، أو قائمة تضم "فتح" و"حماس" تكون قائمة على التوافق بينهما، بهدف ضبط التنافس بين الحركتين بما يتوافق والحسابات السياسية العامة ومتطلباتها، وحيث لا تتوفر فرصة سياسية لحركة حماس لأن تتصدر المشهد السياسي، في حال تمكنها من الحصول على أغلبية المقاعد، وهو أمر برأينا لا تزكيه الوقائع على ارض المجتمع.
"حماس" عملياً، خاضت تجربة صعبة، بعد حصولها على أغلبية مقاعد التشريعي في الانتخابات السابقة لعام 2006، فلقد خضعت ومعها قطاع غزة لحصار شديد، ولم تنجح رغم ذلك في الحصول على الشرعية العربية والدولية، وحتى الفلسطينيون في ضوء الانقسام الكبير الذي وقع.
وفق تقديرات الواقع المجتمعي، وواقع حركة فتح، فهي أيضاً من غير المتوقع ان تحصل على أغلبية المقاعد سواء من خلال قائمة موحدة مع الجميع، او مع "حماس"، او من خلال قائمة خاصة بها، وحتى لو انضمت إليها الفصائل التي تحدث عنها الدكتور احمد مجدلاني ومنها النضال الشعبي، والعربية والفلسطينية العربية وغيرها.
هكذا من المتوقع ان يكون تركيب المجلس القادم، ديمقراطياً حقيقياً ويعبر عن شراكة، بما يتيح للكل ان يخوض نضالاته السياسية وغير السياسية من داخل النظام السياسي، وليس من خارجه.
لقد جربت فصائل وحركات، خوض النضال السياسي والاجتماعي والقانوني من خارج إطار المؤسسة الوطنية، ومن اجل التغيير لكنها لم تنجح في ذلك، ما اضطرها لإعادة حساباتها.
هذا الدرس التاريخي، ينبغي ألا يغيب عن قيادات الفصائل التي لم تحسم أمرها حتى الآن، والتي حسمت أمرها بعدم المشاركة في هذه الانتخابات باستثناء المجلس الوطني.
في السياق العام، يقرأ البعض، الإقبال الواسع من قبل المواطنين على التسجيل في السجل الانتخابي، والذي بلغ نسبة غير مسبوقة تصل الى 93.3% من عدد من يحق لهم التصويت. بعد الإعلان عن هذه النسبة بدأت الانتقادات من قبل البعض، تشير الى خلل في عمل لجنة الانتخابات، وإلى إمكانية وجود تزوير، ما قد يشكل بداية مبكرة للتشكيك لاحقا بعملية التصويت والنتائج.
في هذه المرة، لم تقم لجنة الانتخابات بتشكيل لجان تمر على كل بيت، من أجل تسجيل الناخبين ولم يكن ذلك ضرورياً في ضوء التقدم التكنولوجي، الذي يسمح للجنة بالدخول على السجل المدني والتأكد من المعطيات بشأن الأموات، والمغادرين ومن تجاوز السن القانونية فضلا عن التعاون مع دائرة الإحصاء المركزي.
وطالما ان الانتخابات ستجري وفق قانون النسبية، فإن تغيير مكان السكن او الاقتراع بالنسبة للبعض، يصبح بلا قيمة لمن يهتم بأن يدلي بصوته. فالمواطنون في جنين وفي رفح، متساوون في الحق وفي الفرصة. رغم ذلك أعلنت لجنة الانتخابات عن الخلل ووعدت بالتصحيح.
ثمة من يتساءل حول النسبة المرتفعة للإقبال على التسجيل وهي فعلا نسبة مرتفعة نأمل أن تكون معها نسبة التصويت بالقدر ذاته، أو حتى اقل قليلاً، بما يعكس اهتمام المواطن بالشأن العام واحترامه لحقه، ودوره.
الحراك الفصائلي بشأن التسجيل وحصر المناصرين، بقي موضوعاً داخلياً لدى كل فصيل، ما يعني ان هذه النسبة المرتفعة ليست بسبب نشاط لجنة الانتخابات او الفصائل لتشجيع المواطن على التسجيل. الأصل أن على الفصائل أن تخشى ذلك، لأن هذه النسبة لا تعني بالضبط، حرصا على انتخاب هذه القائمة او تلك، والأقرب للتوقع، ان فئات واسعة من الناس تحرص على الاحتفاظ بحقها من اجل معاقبة هذه الفصائل.
إن كان الأمر كذلك، فإنه لا المساعدات التي ستقدمها بعض الأطراف ولا الدعاية الانتخابية مهما كانت قوتها، يمكن أن تغير كثيراً في قرار الناخبين الذين تشكلت قناعاتهم خلال خمسة عشر عاماً.