تخوض "إسرائيل" انتخاباتها الرابعة من نوعها، منذ الانتخابات التي جرت في التاسع من إبريل/ نيسان 2019، وسط استمرار تداعيات كورونا، وفشل الحكومة في مواجهة الجائحة من جهة، وفي أوج أزمة اقتصادية أنتجت أكثر من 850 ألف إسرائيلي خارج دائرة العمل، وعجز مالي يقارب الـ 20 مليار شاقل. لكنها تخوض انتخاباتها الرابعة في أقل من عامين وسط سِماتٍ بارزةٍ أيضاً على الصعيد السياسي، تتلخص في التالي:
أولاً: تجري الانتخابات هذه المرة داخل كتلة اليمين، والأقطاب الأساسية المتنازعة فيها محسوبةٌ، إما على اليمين التقليدي الذي يمثله نتنياهو وأحزب اليمين الديني، مثل شاس ويهدوت هتوراة من جهة، واليمين الجديد، إن صح التعبير، الذي يرأس تياره جدعون ساعر، المنشق عن الليكود، وحزبه "الأمل الجديد"، ومعه على يمينه نفتالي بينت زعيم حزب "يمينا" من جهةٍ أخرى. وبلغة الأرقام فإن هذا "اليمين" بشقيه يستحوذ اليوم، حسب استطلاعات الرأي، على غالبية مقاعد البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" بما يعادل من 82 – 88 مقعداً. إذا ما استثنينا حزب "يش عتيد" (يوجد مستقبل) الذي يتزعمه يئير لبيد، والذي يدّعي بأنه حزبٌ وسط!.
ثانياً: تكاد تغيب عن هذه الانتخابات القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الضم، الحدود، المستوطنات، القدس، وتغيب عنها كذلك قضايا سياسية عامة كالتهديد الايراني، العلاقات العربية الإسرائيلية، التي لطالما شكلت وقوداً للحملات الدعائية الانتخابية في انتخاباتٍ سابقة. وبالإضافة إلى "شخصنة الصراع" هذه المرة، وحيث يخوض نتنياهو معركة "حياةٍ أو موت"، تُجمِعُ الأحزاب المتنافسة على أن "رأس نتنياهو" هو هدفها هذه المرة، وتستعر في المشهد قضايا فساد الحكومة وعجزها عن معالجة إفرازات جائحة كورونا، وما أنتجته من تداعيات صحية اجتماعية اقتصادية تستحوذ على الشعارات والدعاية الانتخابية والجدل الدائر. حتى أن نفتالي بينت انصرف هو الآخر، على غير عادته، للحديث عن إحياء الاقتصاد وإعادة عجلة الحياة لطبيعتها!.
ثالثاً: انهيار وتلاشي اليسار الإسرائيلي كلياً، حيث حصل في آخر الاستطلاعات على 5 أو 6 مقاعد على الأكثر لحزب "ميرتس" من أصل 120 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي. وفي حال صَدَقت الاستطلاعات المنشورة أخيراً، فإنه باستثناء حزب "ميرتس" والقائمة المشتركة للأحزاب العربية، التي ستحصل على 11 مقعداً، يمكن القول أن الانتخابات المقبلة تشي ببرلمانٍ إسرائيلي لا يوجد فيه أكثر من 16 نائباً من اليسار، وربما يضاف إليها بعض المقاعد التي منحتها الاستطلاعات لرون خولدائي، رئيس بلدية تل أبيب يافا، وزعيم حزب " الإسرائيليون" الجديد، والذي يقدم نفسه كاستمرار لإرث حزب العمل التاريخي الذي بات مفككاً، وقد لا يتجاوز نسبة الحسم في هذه الانتخابات.
رابعاً: في المقابل نلاحظ أيضاً غياب جنرالات العسكر والحرب عن المشهد هذه المرة، فانهيار "كاحول لفان"، مع ما يتردد عن إمكانية انسحاب قادته من الحزب، وعدم خوض الحزب الانتخابات، أو حتى خوضها، وحصوله على 5 مقاعد في أحسن تقدير، قد يشكل نقطة فارقة في بُعد آخر في السياسة الإسرائيلية، وهو افتقار الانتخابات المقبلة لجنرال يحتل مكانة الصدارة على رأس حزب كبير. خصوصاً في ظل إعلان رئيس الأركان الأسبق غادي أيزنكوت عدم رغبته دخول المعترك السياسي، ليعطي نفسه فرصة للاستراحة والتفكير في خطواته المستقبلية. أضف إلى ذلك أيضاً إعلان الوزير عن كاحول لفان غابي اشكنازي الانشقاق عن الحزب، دون أن يشيرَ إلى خطواته المستقبلية قائلاً: "سآخذ استراحة من أجل التفكير في مواصلة طريقي، وسأبقى في منصبي في وزارة الخارجية بالقدر المستطاع".