أخيراً، أصدر الرئيس المراسيم المطلوبة لتحديد مواعيد إجراء الانتخابات، ابتداءً من التشريعية ثم الرئاسية فالمجلس الوطني، الأمر الذي يستجيب لمخرجات الحوار بين حركتي فتح وحماس، ولمخرجات اجتماع الأمناء العامين قبل ذلك. وأخيراً تستجيب الحركة الوطنية لمطلب شعبي، لم يتوقف عن الدعوة لإعادة بناء النظام السياسي عبر صناديق الاقتراع، بعد ان تمت مصادرة حق الشعب في ممارسة مسؤولياته لما يقرب من عقد ونصف العقد.
الأسئلة التي يطرحها الصحافيون، وهي على الأرجح تعكس المزاج الشعبي العام لا تزال تنطوي على قدر من الشك، حول إمكانية إجراء الانتخابات بمفاصلها الثلاثة. مصدر الشك لا يتعلق بما يمكن ان تقوم به دولة الاحتلال التي ترفض إجراء هذه الانتخابات، انطلاقا من رؤية سياسية تقوم على منع الفلسطينيين من تجاوز الانقسام وتحقيق الوحدة.
إسرائيل تشكل عقبة حقيقية، ذلك ان إعادة تجديد الشرعيات الفلسطينية وبناء شراكات وطنية واسعة في إطار النظام السياسي، وبالتالي تقليص الهوة التي تفصل بين أطراف الحركة الوطنية، وتعمق الانقسام، هذا كله يضرب في الصميم الأهداف السياسية الاسرائيلية، التي اشتغل عليها نتنياهو طيلة سنوات الانقسام.
مصدر الشكوك، ناجم عن عدم ثقة الناس، إزاء إمكانية إجراء الانتخابات، انطلاقا مما تراكم خلال السنوات الطويلة المنصرمة من خيبات أمل متعددة، واحتفالات انتهت إلى مآتم.
في الواقع، للتحفظ أسبابه المفهومة، ولكن من المهم رؤية الأسباب الحقيقية التي تجعل هذه الانتخابات، حقيقية وقابلة لأن تنتهي بنجاح، ومن دون تجاهل الصعوبات التي يمكن ان تعترضها، لكن اياً من هذه الصعوبات لا يصل الى حد إفشالها.
يصح أن نقول إن الوضع الدولي برمّته وليس فقط الفلسطيني أمام مرحلة جديدة بالمعنى النسبي، بعد السنوات الأربع العجاف التي تواجد خلالها، رئيس مثل ترامب على رأس الإدارة الأميركية.
كان من الممكن أن تواجه الحركة الوطنية الفلسطينية العجب العجاب لو ان ترامب فاز لدورة جديدة في الانتخابات الرئاسية، ولذلك فإن نهاية تلك المرحلة، بما انطوت عليه من مخاطر شديدة، إنما تشكل بدية مرحلة جديدة. المرحلة الجديدة استنادا الى وجود إدارة جديدة مختلفة لا تعني بالضرورة، ان الأمل أمام الفلسطينيين قد أصبح مفتوحاً أمام إمكانية تحقيق أهدافهم الوطنية في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة على كل الأراضي المحتلة العام 1967 بما في ذلك القدس.
غير أن هذا التغيير في الإدارة الأميركية، ينطوي أولاً على فرصة وقف التدهور الحاصل بسبب صفقة القرن، وإفساح المجال مجدداً أمام تنشيط الحركة السياسية، وفضح السياسات العنصرية الإسرائيلية، وتخفيف الضغوط التي تعرضت لها السلطة، والحركة الوطنية والشعب الفلسطيني والتي أرهقت الجميع، وهبطت بمستوى جودة حياة الإنسان الفلسطيني.
المرحلة الجديدة التي نتحدث عنها، تحتاج وتدعم إجراء الانتخابات لتجديد الشرعيات الفلسطينية، وإعادة السلطة الرسمية الى قطاع غزة باعتبار ذلك استحقاقا تحضيريا لمقابلة الجهد الأميركي الموعود والدولي، نحو استعادة الحيوية لمساق المفاوضات.
وإذا كانت الانتخابات، تشكل مصلحة للسلطة وحركة فتح، فإنها أيضاً تشكل مصلحة لحركة حماس على وجه الخصوص، لأنها تحتاج لأن تكمل ما بدأته خلال انتخابات العام 2006، وهو الحصول على الشرعية من داخل النظام السياسي.
منذ أن وقع الانقسام، وحتى اللحظة لم تنجح حركة حماس، في أن تحصل على الشرعية الفلسطينية او العربية او الدولية، رغم حصولها على شرعية الأمر الواقع. خلال هذه الفترة الطويلة، لم تتمكن حركة حماس من إقناع العديد من الدول العربية، بتغيير مواقفها المعادية للحركة خصوصاً وان الحركة تواصل تعاونها مع إيران، فضلاً عن انها لا تزال محسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، من وجهة نظر تلك الدول.
ويعلم الجميع ان الانتخابات مهما كانت نتائجها، لا تشترط ان يتخلى أي فصيل عن رؤيته السياسية وبرنامجه، فلقد كانت منظمة التحرير الفلسطينية احتضنت الجميع بما في ذلك فصائل كانت معارضة بقوة لاتفاقية أوسلو. هذا يعني أن النضال السياسي من خارج النظام السياسي الفلسطيني سيكون صعباً وغير مجد استمراره، ما يتطلب تصحيح البوصلة.
بعد مرحلة الانقسام الطويلة، وغياب الثقة بين أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية خسر خلالها الجميع، وتزعزعت ثقة الجماهير الفلسطينية بفصائلها وقياداتها السياسية، لم تعد مرفوضة فكرة التوافق العام بين الفصائل على الحصص لتبديد المخاوف، ولكن من دون ان تؤدي المحاصصة الى تقليص المساحة المتاحة أمام المستقلين والمجتمع المدني.
في هذا السياق، يجري حديث غير موثوق، حول إمكانية اتفاق حركتي فتح وحماس على المشاركة ضمن قائمة واحدة، لكنني اعتقد ان هذا الاحتمال غير وارد في ضوء قانون الانتخابات النسبية، والأرجح ان نكون أمام اتفاق على حصص كل طرف من الطرفين، يتم التحكم بها من خلال عدد المرشحين لكل طرف.
في هذا السياق، ثمة من يتساءل عن الدوافع التي تقف خلف التعديلات القانونية، التي أجراها الرئيس مؤخراً على جهاز القضاء، ورفضتها معظم الفصائل الأخرى. هناك من يعتقد أن تلك القرارات تستهدف وضع شروط معقدة أمام إمكانية مشاركة محمد دحلان وبعض الشخصيات الموالية له في الانتخابات.
من المرجح أن تكون هذه واحدة من المشكلات التي تعترض الانتخابات، لكنها لا تصل الى مستوى إفشالها، وهي في كل الحالات لا تمنع أي جهة او شخصية او تجمع شخصيات من ان تتقدم بترشيح نفسها، بما في ذلك العديد من الشخصيات المحسوبة على التيار الذي يقوده دحلان. والأكيد ان الانتخابات بداية طريق طويل نحو المصالحة التي تحتاج الى وقت وحوارات عميقة.