قضية فصل الصحافيين في راديو أجيال وفضائية النجاح وغيرهما من الحالات هي الطرف الظاهر من واقع أكبر وأوسع، وهو أن الصحافي لا ينظر إليه في هذه البلد كشخص يعمل في مهنة لها دور اجتماعي، بل كمهرج في بلاط أحدهم فحسب.
بعض الصحافيين وأشباههم يبحثون عن بلاط ما يهرجون فيه، وهذا صحيح، لكن صحيح أيضا أن هناك كثير من الصحافيين الحقيقيين الذين يصرون على أداء رسالتهم بمهنية، دون أن يسمحوا لأي جهة أن تروضهم لصالحها، ويدفعون ثمن ذلك بطريقة أو بأخرى.
البعض يحمل صورة رومانسية عن الصحافي، بأنه "صوت الناس"، وينسى أحينا أن الصحافي نفسه أيضا من "الناس"، وأن صوته قد يكون مكبوتا أكثر من صوت غيره، بالذات لأنه مسموع أكثر من صوت غيره، وأن الحفاظ على كلماتك من التكميم، أو البتر، أو الشراء، أسهل بكثير عندما تلقيها في مقهى، منه عندما تخطها في أسطر سيقرأها عدد كبير من الناس، بما فيه من لن يعجبه وقعها.
الأمر أصعب عندما تكون هذه هي طريقة كسبك لعيشك، وعندما يكون من يفترض بك أن تضعه أمام مسؤوليته تجاه المجتمع هو عينه من يتحكم برغيفك.
إن انتهاك حقوق الصحافيين، على عكس العاملين في معظم المهن الأخرى، لا يقتصر على ظروف العمل، كالفصل التعسفي أو غياب الحماية الاجتماعية، بل إنها تتعدى ذلك إلى حرية التفكير، والتساؤل، والبحث، والمساءلة، والتحليل، وختامًا التعبير، وهي كلها عناصر أساسية في العمل الصحافي، لكنها أيضًا حقوقًا إنسانية أساسية.
لذلك، فإن حماية حقوق الصحافيين، وإن كانت كغيرها، تتطلب تضامنًا مهنيًا بين الصحافيين، فإنها تتطلب أكثر من ذلك، الالتزام برسالة الصحافي الاجتماعية والمهنية.
فلا فائدة من التضامن مع زميل تعرض للفصل التعسفي لأنه رفض أن يخدم دعاية جهة ما، في الوقت نفسه الذي أبيع فيه قلمي وصوتي لخدمة دعاية جهة أخرى (داخلية أو خارجية)، فعندما أتنازل عن استقلاليتي كصحافي، أجعل من الأصعب على غيري الدفاع عن استقلاليتهم، وبالتالي عن حقوقهم المهنية.
لهذه الأسباب كلها، فإن مقولة أن الصحافة ليست مهنة فقط، بل رسالة أيضًا، هي أكثر من مجرد كليشيه. هي حقيقية بالمعنى الحرفي. أي أن من لا يحمل هذه الرسالة، لا يستطيع العمل في هذه المهنة. فإن كنت طالبًا في بداية بحثك عن مستقبلك المهني، وكنت محتارًا بين الصحافة والطب، أو بين الصحافة والهندسة، أو بين الصحافة و ميكانيكا السيارات، وكان معيارك هو العائد المادي والمركز الاجتماعي فقط، فاختر الطب، أو الهندسة، أو ميكانيكا السيارات. لأنك إن لم تكن تعلم أن رسالتك هي في الصحافة والإعلام، وأنك لن تتنازل عن هذه الرسالة، فأنت لن تكون إلا مهرجًا في بلاط ما. وإذا كنت مهرج بلاط في ثوب صحافي، فإنك ستضر أكثر من أن تنفع.