عبرت الجزائر وعلى لسان رئيسها السيد عبدالمجيد تبون عن موقفها تجاه التطبيع والقضية الفلسطينية، بشجاعة والتزام دون أن تلتفت إلى ما يمكن أن يمارس ضدها من سياسات أمريكية.
قال السيد الرئيس إن القضية الفلسطينية مقدسة بالنسبة للجزائر، والجزائر كل الجزائر رئيسا وحكومة وشعبا ضد الهرولة نحو التطبيع. وقد رافق تصريح السيد الرئيس العديد من المقالات والأدبيات في وسائل النشر الجزائرية، وعلى شاشات التلفاز ما يؤكد مواقف الجزائريين تجاه القضية الفلسطينية ومجمل القضايا العربية.
وهذا ما عهدته الشعوب العربية وبالأخص شعب فلسطين عن الجزائر الحرة، التي انتزعت استقلالها وحريتها بقوة إرادتها. كانت الجزائر وما زالت رصيداً كبيراً للأمة العربية، وفاعلة على الساحتين العربية والإسلامية.
خفت شعاع الجزائر بعض الشيء في سنوات سابقة، وأخذ اهتمامها بالقضايا العربية بالانحسار، ربما بسبب ضعف في مؤسسة الرئاسة، وبسبب خلل أصاب الإدارة المالية والاقتصادية، لكن التفاؤل بدور جزائري نشط وفعال متوفر في النفوس على الدوام. والأمل كبير في أن يندفع الرئيس الجزائري بالمزيد نحو تأكيد فاعلية الدور الجزائري، ورفع مستوى المساهمات الجزائرية في مواجهة أزمات الأمة العربية ومآزقها.
العرب بدون قيادة، والشعوب العربية تنتظر قائدا يوجه دفتها نحو العزة والكرامة والبناء العلمي والتقني والنهوض الحضاري. هناك دول تزاحم من أجل السيطرة على القرار العربي وتوجيهه صوب سياساتها، التي تخدم عناصر أجنبية على حساب الثروات العربية.
تحاول السعودية الهيمنة والسطو على المؤسسات العربية لكي تصبح صاحبة القول الفصل، لكن السعودية لا تملك مقومات القيادة، ولا تتمتع بمصداقية في الشارع العربي أو سمعة طيبة، وهي لا تملك غير المال كعنصر أساسي في التأثير على القرار العربي.
لديها جيش مسلح تسليحا حديثا لكنها لا تملك محاربين، ولو كانت لما طالت حربها على اليمن. والسعودية تقف إلى جانب الكيان الصهيوني وتسيء للفلسطينيين وقضيتهم، ولا يمكن لعربي يطبع مع الصهاينة ويعترف بكيانهم أن يقود أمة العرب.
السعودية هي عامل رئيسي في صناعة الأزمات العربية ودعم أعداء الأمتين العربية والإسلامية، وسياسياً هي ذات حكم قبلي عنصري غير رشيد. الموقف من الصهاينة ومن حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم هما البوصلة الأولى والأساسية نحو قيادة الأمة العربية. السعودية لا تملك مقومات القيادة، ولا تملك قدرات قيادية أخلاقية كانت أو إدارية أو سياسية. أما مصر فقد فقدت دورها العربي منذ زمن بعيد، وهي تصب الآن في حوض السياسة الأمريكية المعادية للعرب والداعمة بصورة مطلقة للكيان الصهيوني. وهناك دول صغيرة تحاول أن تثبت وجودها على الساحة العربية لكنها تبقى أصغر من أن تقود.
فقط الجزائر هي المؤهلة، وهي بحاجة ماسة لقيادة تقدر الدور الذي يمكن للجزائر أن تلعبه على الساحة العربية، ومن ثم على الساحة العالمية. الجزائر ذات مساحة جغرافية واسعة، وتحتضن أكثر من أربعين مليون نسمة، ولديها ثروات متنوعة على رأسها مصادر الطاقة، والجزائر تمتلك طاقات علمية وفكرية وأدبية وصناعية متقدمة، وبالإمكان تطويرها بالمزيد.
ولدى الجزائر جيش قوي يمكن ترتيبه بالرقم ثلاثة على الساحة العربية، ويمكن رفده بمزيد من القوة، كما أن للجزائر علاقات خارجية راقية يمكن أن تشكل درعاً لها في مواجهة أي عقوبات يمكن أن تفرضها عليها الولايات المتحدة، والأهم أن للجزائر موقفاً واضحاً من القضيية الفلسطينية ولا ينازعها في ذلك أحد.
المطلوب من الجزائر أن تكون حاضرة في كل مسائل الأمة العربية، وألا تنزوي بعيدا عن التحديات التي تعصف بالأمة. مطلوب منها التعبير عن مواقف حازمة بقضايا آنية واستراتيجية. موقفها مما يجري في لبنان حيوي وضروري، وكذلك من الوجود الأمريكي في سوريا والعراق، ومن الحرب على اليمن، ومن سد النهضة والجامعة العربية، الخ. والبحث يجب ألا يبقى ضمن أبعاد قولية ولفظية، وإنما من المفروض ان تطرح الجزائر استراتيجيات وخطط على الشعوب العربية وحكامها البائسين من أجل العمل الجماعي. ومن أراد أن يقود عليه أن يصفي خلافاته الجانبية مع مختلف الجهات العربية. يحاول القائد دائما أن يثبت أنه مع الجميع من أجل الجميع. فهل تقرر الجزائر أن تملأ فراغا عربيا تاريخيا مدمرا تركه عبد الناصر شاغرا؟