من لا يقاتل "إسرائيل" لا يقاتل الإرهاب لأن الكيان الصهيوني، هو كيان إرهابي بتركيبته وأبعاده وأهدافه، ولم يقم إلا بالإرهاب الذي تمثل بقتل الناس وتهجيرهم، وتعذيبهم، وسلب ممتلكاتهم، وتدمير بيوتهم، وتخريب مزارعهم، ومنشآتهم التي يعتاشون منها.
المقال يستند إلى حقيقة موضوعية تثبتها وقائع متكررة على مدى حوالي سبعين عاماً. الكيان الصهيوني هو الذي أدخل الإرهاب إلى المنطقة العربية الإسلامية، وهو ومن أيده من الدول الاستعمارية الذي شرعن الإرهاب، وأعطاه بعداً سياسياً متميزاً، وأضفى عليه صبغة الوسيلة المقبولة لتحقيق أهداف سياسية، وقدم له كل أنواع الدعم والمساندة، ولم تتوارى الولايات المتحدة ودول عربية عدة، عن مد يد العون فأنشأت تنظيمات إرهابية وقدمت لها الأموال والسلاح والمعلومات والتدريب.
ومنذ أن قام الكيان الصهيوني حتى الآن لم تهدأ المنطقة بخاصة أرض الشام والعراق، واستمرت معاناتها من الحروب، وسفك الدماء وتخريب البيوت. قامت عدة حروب رئيسية في المنطقة، ولم تكن الفترات ما بين هذه الحروب هادئة.
غطرسة الكيان الصهيوني واعتداءاته المتواصلة ورفضه إعادة الشعب الفلسطيني إلى وطنه ولّد المقاومة، وهذا أمر منطقي ومتوقع من حيث أن صاحب الحق لا بد أن يفكر بوسائل استرجاع حقه. طال أمد المقاومة، وبعض الناس فقدوا الثقة بمنهجها فتحولوا إلى تفكير مختلف، انصب تفكيرهم إلى عوامل بقاء الكيان، وعجز المقاومة عن تحقيق إنجازات لصالح فلسطين ومقدساتها.
وبرز في هذا التفكير أمران وهما: أن الأنظمة العربية تعين الكيان الصهيوني وتتآمر معه، وأن ابتعاد الناس عن الإسلام يسبب الكوارث. حمل بعض الناس هذين الأمرين بطريقة متطرفة، وخضعوا لأفكار غريبة وعجيبة لا علاقة لها بالمقاربات السياسية أو بالفكر الإسلامي، فتطرفت أعمالهم ووجدوا في المحيط، وعلى المستوى العالمي من يعينهم في تطرفهم ويمولهم ويدربهم ويسلحهم.
الكيان الصهيوني يقهر الناس ويذلهم ويهينهم، ويسبب لهم آلاما في كرامتهم وعزتهم وأمنهم ولقمة عيشهم. كان الكيان وما زال حتى الآن مصدر القهر الأول في الساحة العربية، والقهر يولد نقيضه وهو المقاومة المسلحة التي للأسف لم تستقطب كل الناس الغيورين على المقدسات، وبقي الباب مفتوحا لتطورات تنظيمية متنوعة.
ومن كان يواكب الساحة العربية وطريقة تعاملها مع الاحتلال الصهيوني، لا مفر سيستنتج ظهور أزمات دموية في المنطقة. لم تف الأنظمة العربية بوعودها، ولم تستطع لجم العدوان، وكذلك كان الأمر بالنسبة للمقاومة فارتفع منسوب الشعور بالظلم والقهر، ومشاعر الإحباط واليأس، وانتهينا إلى ما انتهينا إليه الآن من صراعات داخلية مريرة ومرعبة، وكانت آثارها أشد قسوة على الناس من آثار الاعتداءات الصهيونية.
وإذا عدنا إلى تعاريف الإرهاب الأمريكية والتي يتمسك بها الكيان الصهيوني، نجد أن ما يؤمن به الصهاينة ينطبق عليهم. تلتقي تعاريف البيت الأبيض الأمريكي ووزارتي الخارجية الأمريكية والدفاع، على أن الإرهاب هو ممارسة العنف من قبل تنظيمات ضد المدنيين لتحقيق أهداف سياسية.
في هذه التعاريف تجنب الأمريكيون مسألة إرهاب الدولة، حتى لا تلحقهم والصهاينة الإدانة الدولية. لقد حصروها في تنظيمات لأنهم أرادوا تعريفا مفصلا على مقاسهم، يشمل التنظيمات العربية والإسلامية فقط.
ولهذا كانت أمريكا ترفض دائما مطالب سوريا والعراق في عهدي حافظ الأسد وصدام حسين، لإقامة مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب. رفضت تدويل الفكرة والتعريف، وأصرت على تعريفها هي.
والمتتبع لكل التعاريف الأمريكية يتأكد أنها تنطبق على الصهاينة وعلى الأمريكان، باستثناء فكرة التنظيم، لكن من المحتمل كما هو الحال بالنسبة للكيان الصهيوني، أن تكون الدولة عصابة مسلحة مارقة هدفها الابتزاز من خلال إيذاء المدنيين.
الاحتلال بحد ذاته إرهاب لأنه استعمال للعنف ضد المدنيين لتحقيق أهداف سياسية، وهكذا الأمر بالنسبة لحصار غزة، الكيان وبقية دول العالم المعادي لفلسطين والعرب يستعملون الحصار لإلحاق الأذى بالمواطنين، من أجل دفعهم للثورة وإسقاط المقاومة الفلسطينية في غزة، أو بالتحديد إسقاط حكم حماس.
ولا يختلف الوضع في جنوب لبنان من حيث أن أمريكا والصهاينة وأنظمة عربية، تواصل ضغطها المستمر على حزب الله ولبنان، من أجل القضاء على المقاومة. وهذا إرهاب مستمر ومدعوم وممول ويحظى بتأييد من يتحدثون كاذبين ضد الإرهاب، أمريكا أكبر داعم للكيان الصهيوني وهي تعي تماما أن الاحتلال مخالف لكل القوانين الدولية، التي ساهمت هي في صياغتها، ومن يدعم الإرهاب إرهابي.
الكيان الصهيوني إرهابي بالتركيب، وإرهابي بالوسائل، وهو ممعن في إبقاء ملايين الفلسطينيين خارج ديارهم ويلاحقهم على ما تبقى من وطنهم. والكيان يشكل مصدر إلهام ومصدر دعم للإرهابيين في الوطن العربي والعالم الإسلامي، يصعب أن نجد فتنة في الساحة العربية أو صراعاً دموياً لا قرص للصهاينة فيه. حيثما حصل الاقتتال وسفك الدماء عند العرب، علينا أن نفتش عن أدوار الصهاينة فيه. الكيان الصهيوني معني دائما بإضعاف العرب، وتمزيقهم اجتماعيا وأخلاقيا وإفقارهم اقتصادياً، وهو لا يتوانى في تغذية المفاسد والإفساد، ولا يكتفي بقتل العرب، وإنما يتمتع عندما يرى العرب يقتتلون.
وهنا لا بد من الإشارة إلى كيف أفقر الأعداء وعلى رأسهم الكيان بلدانا عربية خليجية، كانت تنعم بالثراء عندما دفعها للإنفاق على الحروب في العراق وسوريا وليبيا واليمن. دول عربية الآن تتحدث عن الضيق المالي بعدما كانت توزع المال ذات اليمين وذات الشمال، وهذه الدول هي نفسها التي تآمرت من أجل تخفيض أسعار النفط نكاية بإيران وروسيا إكراما للصهاينة.
كما أن هذه الدول أثبتت نهجها الاستبدادي في إدارة شؤون الشعوب العربية، وهذا ما يحرص عليه الكيان لأن الحكم الاستبدادي يضعف العربي ويحوله إلى مجرد أداة يستعمل كيفما يشاء الطرف القوي.
تدعي قوى عربية عدة أنها ضد الإرهاب وتقاومه بشدة، وتحرص على تصفية كل التنظيمات التي تتهمها بالإرهاب. على رأس هؤلاء مصر ،والسعودية، والأردن، والإمارات، والبحرين، والسلطة الفلسطينية، الخ. كل هؤلاء الذين ينددون بالإرهاب إرهابيون ويمارسون القمع والقهر ضد شعوبهم، وهم يدعمون الكيان الصهيوني رأس الإرهاب، وكل من يقيم علاقات مع الصهاينة ويدعي أنه يحارب الإرهاب كاذب ومضلل ومسار الأحداث، يدينه ويضعه في حمى مواجهة الشعوب التي لا بد ستنتصر.
وعليه فإن مجرد محاربة تنظيمات إرهابية لا يكفي للتخلص من الإرهاب. يتطلب التخلص من الإرهاب نزع الجذور، والجذور تبدأ بالكيان الصهيوني ومن والاه ومن دعمه، يحظى الكيان الصهيوني بدعم العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول عربية عدة، وهو يحظى الآن بدعم عدد من الأنظمة العربية، وبدعم العديد من المطبعين العرب. هؤلاء جميعا شركاء في جرائم الإرهاب، ولن ينجح طرف بهزيمة الإرهاب ما لم يهزم الكيان الصهيوني أولاً، ربما تتطلب محاربة الصهاينة وقتا طويلا، لكن ذلك لا يمنع من الاستعداد ليوم مشهود.