شبكة قدس الإخبارية

بيروت على حافة قبرها

116418834_3005360002920284_7094658545068533949_n
هنادي العنيس

وكأن لم يكن ينقص لبنان سوى مرفأ مشلول، يضم مشتريات الدولة من احتياجاتها الأساسية للاستمرار، وحمولة كاملة من النيترات تُرِكت للإهمال، حتى استفاقت دون سابق إنذار لتنفجر في وجه بيروت، بعد أن تصور أبناؤها لوهلة أنها مجرد هزة أرضية حركت الأغراض قليلاً من مكانها، وهم يؤدون مهامهم الاعتيادية في يوم روتيني آخر، بين تنظيف المنزل وبيع البضاعة، حتى كُتمت أنفاسهم على صوت خراب كبير، نثر الأشلاء صوب الجدران، قذف بالجثامين إلى البحر، فتت علامات النصر فوق الأرصفة، وأفلت العويل من حناجر ممتلئة بصافرات الإنذار.

ليهب على اثرها الشباب في نقل جرحى بثياب مدماة بالكامل فوق دراجاتهم النارية، وسط انصهار لحم جنود الدفاع المدني بركام العاصمة، وإعلان مُبكر عن إسعاف المصابين في الكراجات تحت إنارة خافتة مصدرها هاتف ذكي، بعد أن عجزت المستشفيات كافة عن استيعاب المزيد من أرقام لا نهائية، مخدرة كل من يمرّ بجانبها.

بقعة فراغ مرعبة امتدت من رأس بيروت ووصلت إلى جسد الأشرفية، غبارها حلق فوق سماء دمشق وسُمِع صداه في قبرص. صار هناك مواطنين في حال خطرة، مفقودين لأهالي مفجوعين، آخرين غُيبت جثثهم تحت الأنقاض، وحتى جميع من لم يكُن في ثلاثاء بيروت لم يعودوا لعقلهم.

دُمرت المناطق السكنية المحيطة بشكل شبه كامل دون أن تعد صالحة للسكن، صار الشارع بيتاً لمن تشردوا في أطول ليلة نامها لبنان بلا بيروت التي ضُغِطَ على زِرّ قيامتها، وتُرِكت وحدها تبحث عن لغة جديدة تتحدث بها عن قصة اختبار الله لوطن مُتعب فقد ثقته بأي شيء وكل الأشياء، بين ازدحامٍ لبيانات فارغة تُدافع عن الاعوجاج.

فالحقيقة هي أن الكارثة قد حلت بسويسرا الشرق منذ عمر ليس بقصير، لكن اليوم فرقع الانفجار فيها السؤال الأكبر: لأجل ماذا نجى من لم يمت من اللبنانيين منذ سنوات طويل على امتداد كل لبنان؟ بل ما الذي بقي من الوطن ليُسلم إلى رئيسه المُقبل؟ أوكيف للعالم أن يبقى أصلاً إن لم تعد فيه بيروت؟

* اللوحة للفنانة التشكيلية اللبنانية بيان أمين الدين.