نصت اتفاقية الائتلاف الحكومي بين بنيامين نتنياهو وغانتس، على أنه يحق لرئيس الحكومة نتنياهو أن يشرع في إجراءات فرض ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات ومناطق واسعة في الضفة الغربية المحتلة، ابتداء من مطلع شهر تموز المقبل 2020.
في هذا المقال، نناقش الدوافع العسكرية والامنية الاسرائيلية التي تتعلق بعملية الضم من حيث أهميتها ودلالاتها.
تمثل الضفة الغربية موقعا سياسيًّا واستراتيجيًّا وسكانيًّا بالغ الاهمية، فهي منطقة جيوسياسية تقع في فلسطين، سميت بالضفة الغربية لوقوعها غرب نهر الأردن.
ﺗﺸﻜﻞ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ %21 ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺃﻱ ﺣﻮﺍﻟﻲ 5,860 ﻛﻢ٢، ﺗﺸﻤﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺟﻐﺮﺍﻓﻴﺎً ﻋﻠﻰ ﺟﺒﺎﻝ ﻧﺎﺑﻠﺲ ﻭﺟﺒﺎﻝ ﺍﻟﻘﺪﺱ ﻭﺟﺒﺎﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﻞ ﻭﻏﺮﺑﻲ ﻏﻮﺭ ﺍﻷﺭﺩﻥ، وتمثل للمقاومة الفلسطينية أهمية استراتيجية كبرى، فجبالها التي تطل على الداخل المحتل تمنح المقاومة ميزة ترجيحية تمكنها من قصف العمق المحتل وإيقاع ضرر مضاعف في الجبهة الداخلية الإسرائيلية لو نجحت في تطوير قدراتها العسكرية داخل الضفة.
فالضفة هي الذخر الاستراتيجي للمقاومة وقوتها وتطورها يخدم مشروع المقاومة والتحرير ويقرب من زوال الاحتلال، فعندما تكون المقاومة الفلسطينية في الضفة بخير لن تنعم أي مدينة أو شارع في العمق الصهيوني بالأمن، وعندما تكون المقاومة بالضفة بخير لن يتجرأ المستوطنين من السير والعربدة في شوارعها ولن تتمدد المستوطنات ولن تستطيع "إسرائيل" فرض وقائع جديدة على الارض بفعل المقاومة.
من وجهة نظر القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، تعتبر الضفة الغربية أرضًا مُحتلة من قبل "إسرائيل"، وتطبق عليها اتفاقية جنيف الرابعة التي أرست قواعد قانونية دولية راسخة لحماية المدنيين أوقات الحرب، وتمنع الدول من تغيير وضع الأراضي "المحتلة" سواء قانونيًّا أو ديمغرافيًّا بما في ذلك تهجير السكان، وإعادة نقلهم أو مصادرة الأرضي. وبالتالي فإن ضم "إسرائيل" لأي أراضي فلسطينية يتعارض مع القواعد القانونية الناظمة للعلاقات الدولية.
البناء الضيق والطويل لدولة الاحتلال يتسبب في كون حدودها طويلة وينقصها العمق، الأمر الذي يصعب الدفاع عنها، هذه الحدود لا تقوم على أسس طرق طبيعية، الأمر الذي يفاقم صعوبة الدفاع عنها، بسبب فقدانها للعمق الاستراتيجي وذلك يُشكّل نقطة ضعف عند الخطر، فأكبر عرض لإسرائيل في وسطها يُقدَّر ب 17 كم، وعرضها في الشمال 7 كم، وعرضها في الجنوب 10 كم، جغرافياً عرض الضفة الغربية هو 55 كيلومتر، بُعدب عض المدن الرئيسية بالداخل المحتل لا يزيد عن 2 كيلومتر، وترتفع جبال الضفة 1000 متر عن "تل أبيب"، الضفة الغربية تحيط بمدينة القدس من ثلاث اتجاهات شمال شرق وجنوب.
أغلب المواقف والتصورات والحلول المطروحة من متخذي القرار في "إسرائيل" بشأن مستقبل المستوطنات تصب جميعها باتجاه واحد، وإجماع على أن المستوطنات الإسرائيلية تشكل مورداً استراتيجياً يجب استمرار وجوده وتوسيعه.
كما ترى المؤسسة العسكرية والامنية الاسرائيلية أن الضفة الغربية تمثل عمقاً أساسياً لكل التحركات العسكرية وسير العمليات الحربية حيث تمثل الأرض بواقعها الطبيعي والبشري مسرحاً للعمليات العسكرية وتحدد الجغرافيا العسكرية لها، المحاور الرئيسية على الجبهة، التي تتوزع عليها القوات، لشن هجوم مباشر على القوات المعادية بعد تحديد مناطق الضعف فيها، كما هناك ارتباط وثيق بين الجغرافيا العسكرية والخطط الإستراتيجية. إذ تبحث الأولى عن الخطوط العريضة، التي تحدد اتجاه القوى، والأهداف، والمصالح القومية، وتحديد أماكن النزاع الفعلي أو المحتملة، والتنبؤ بوقت ومكان الأحداث.
عسكرياً تمثل الجغرافيا العسكرية عمقاً أساسياً لكل التحركات العسكرية وسير العمليات الحربية، إذ أنه من المستحيل فصل العمليات عن ظروف البيئة الجغرافية حيث تمثل الأرض بواقعها الطبيعي والبشري مسرحاً للعمليات العسكرية.
لذا تهتم الجغرافيا العسكرية بدراسة العلاقة بين البيئة الجغرافية من جهة وبين الأنشطة العسكرية من جهة أخرى، ولكي يتمكن العسكريون من تنفيذ خططهم، فكان لابد من السيطرة على جغرافية سطح الأرض.
حسب النظرية الامنية التي بلورت في السنوات الاولى من نشأة الكيان، فإن الاستيطان والضم هو جزء من النظام الدفاعي الجغرافي، وعليه أن يخلق عمقاً اصطناعياً يسمح بإيقاف قوى المقاومة ويمكن من تجنيد قوات الاحتياط وحملهم الى ساحات العمليات.
تعود هذه النظرية إلى ما يُدعى بخطة "ألون"، نسبة إلى إيغال ألون، العسكري والسياسي العمّالي الإسرائيلي السابق، فقد نصّت خطّته، على ضرورة الاحتفاظ بالسيطرة الإسرائيلية العسكرية والاستيطانية على أراضٍ داخل الضفة الغربية، ولاسيما تجمع "غوش عتصيون" بين القدس والخليل، بالإضافة للسيطرة المباشرة على غور الأردن، وسفوح المرتفعات الشرقية، والطرق الواصلة بين أريحا والقدس.
هذه الخطة تحولت إلى نظرية معتمدة في الأمن القومي الإسرائيلي، تعتمد على السيطرة المباشرة على الأرض وتحويلها إلى عمق استراتيجي وقواعد عسكرية للهجوم المضادّ، وعدم الاكتفاء بالمظلّة الدوليّة التي أوجدت "إسرائيل"، باعتبار أنّ هذه المظلّة ليست ضمانة ثابتة.
بمعنى أنّها مبنية على الاعتماد الذاتيّ على النفس، وفي فرض الوقائع التي تعالج مشكلة افتقاد (إسرائيل) إلى العمق الجغرافيّ في بيئة معادية ورافضة لوجودها.
ترى المؤسسة الأمنية الاسرائيلية أن قرب الضفة الغربية من المراكز السكانية ومن الممتلكات الحيوية لدولة الاحتلال يستلزم أن تحفظ هناك مصالح دولة الاحتلال الاستراتيجية، حتى في الوضع الذي يكون فيه اتفاق مع الفلسطينيين، يعني ذلك أن الاحتلا في الضفة الغربية تسعى إلى: الإبقاء على الاستيطان الصهيوني، والقدرة على نشر قوات هناك في ظل أي تهديد قد يطرأ، والسيطرة الأمنية التامة على منطقة غور الاردن. السيطرة على الاغوار يراد منها تحقيق عدة أهداف حيوية:
ضمان عمق إستراتيجي أساسي؛ لأن أهميته تكمن في عصر الصواريخ التي تهدد مركز دولة الاحتلال، والخطوات المطلوبة للتجنيد، لذلك يتطلب الأمر توفير عمق أرضي وجوي؛ لنشر القواعد ومنظومات الإنذار والتصدي، ولعمل القوات النظامية للجيش التي ستضطر إلى العمل مدة زمنية محددة حتى تجنيد قوات الاحتياط، ليس لمواجهة القوات المعادية فحسب، بل لإسكات الصواريخ الموجهة الى الجبهة الداخلية.
الدفاع عن المستوطنات الصهيونية هناك، ومنع تشكل جبهة شرقية تبلغ حتى المراكز السكانية الاسرائيلية على امتداد السهل الساحلي، والتأكد من بقاء مناطق الضفة الغربية منزوعة السلاح، ومنع تعزيز قدرات المقاومة في الضفة الغربية من خلال تهريب الوسائل القتالية من الشرق.
الضفة في خطر حقيقي الان، في ظل التوجه الإسرائيلي لخيارات "صفرية" في التعامل مع القضية الفلسطينية، والمسرح السياسي في دولة الاحتلال والولايات المتحدة أصبح جاهزًا لمشهد الضم القادم باعتباره الحلقة الأبرز ضمن مخطط تصفية القضية الفلسطينية وفق صفقة ترامب-نتنياهو، وهو ما يتطلب ردًا فلسطينيًا إستراتيجيًا على هذا التحدي المتعاظم، لأن رد الفعل الفلسطيني الرسمي والشعبي الميداني، سواء كان عنيفاً أو لا، هو العامل الحاسم في تمرير السياسات الاسرائيلية.