رام الله – خاص قدس الإخبارية: تمر العلاقات الثنائية بين حركة حماس من جهة والنظام السعودي الحالي بحالة توتر غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المتعاقبة للحركة مع الأنظمة والملوك الذين تعاقبوا على الحكم خلال العقود الماضية.

ورغم حالة الفتور التي شابت علاقة الحركة بالنظام السعودي بعد عام 2007 بعيد فشل اتفاق مكة وما صاحبه من أحداث داخلية، إلا أن العلاقات مع النظام الحالي منذ تولي سلمان بن عبد العزيز ونجله محمد بن سلمان سدة الحكم عام 2015 أخذت منحىٍ مختلف.

فرغم حالة الاستبشار التي أبدتها الحركة بعد اللقاء الذي جمعها بمحمد بن سلمان عام 2015 خلال استقبال جرى في مكة المكرمة في عيد الفطر، صاحبه الإفراج عن مجموعة من المعتقلين الفلسطينيين كان على رأسهم القيادي في الحركة ورئيسها بالخارج حالياً ماهر صلاح، إلا أن ذلك لم يدم طويلاً.

وتعرض أكثر من 60 فلسطينياً للاعتقال خلال العامين الماضيين كان من بينهم ممثل الحركة السابق لدى الرياض محمد الخضري على مدار 13 عاماً ونجله ومجموعة أخرى تحت ادعاء جمع تبرعات وأموال لصالح القضية الفلسطينية.

ويتفق محللان على أن العلاقة بين الحركة والعهد الحالي في السعودية قد وصلت مرحلة القطيعة نتيجة السياسات السعودية تجاه حماس وحالة الهجوم غير المسبوقة ضدها وضد كوادرها وعمليات الاعتقال التي جرت في الفترة الماضية.

صعوبة العودة

وقال الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي إن العلاقات بين حماس والرياض في العهد الحالي من الصعب أن تشهد تحسناً في ظل المعطيات الحاصلة حالياً، إلى جانب أنها وصلت لمرحلة القطيعة التامة بعيد الاعتقالات وفشل كل الوساطات.

وأضاف عرابي لـ "شبكة قدس": "السعودية لا تمعن حالياً في العداء تجاه الحركة فقط، بل امتد الأمر ليشمل القضية الفلسطينية عموماً والذي كان آخره توظيف الخلايا الإلكترونية للتغريد على وسم ضد القضية واعتبارها شيئاً غير مهماً".

واستكمل قائلاً: "هناك تحول جذري ليس فقط تجاه حماس وإنما تجاه القضية الفلسطينية بالسعي للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وما يكشف عنه في الفترة الحالية من تقارير تتحدث عن علاقات قائمة مع العهد الحالي في السعودية".

سياسات عامة

وأوضح "هناك سياسات عامة وشاملة وهناك جهود تبذل من أجل تطبيع علني وواضح مع الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي توجد فيه علاقات سرية واستخباراتية غير معلنة، منوهاً إلى أن العلاقة مع حماس هي تحصيل حاصل أمام هذه السياسات". حسب قوله

واستبعد عرابي أن تشهد الفترة المقبلة أية عودة للعلاقات بين حماس والنظام السعودي، إلا إذا تراجعت الأخيرة عن سياساتها في حين أن ذلك غير وارد في ظل استمرار حملات الاعتقال المرتبطة بالمحسوبين على الحركة في الأراضي السعودية.

وأشار إلى أن "بداية العهد الحالي عام 2015 لم تكن السياسات العامة قد رسمت وكان الملك الحالي وولي عهده يسعون لرسم سياساتهم الخاصة وحتى الزيارة كان بطلب من حماس وجرى آنذاك تضخيمها بصورة كبيرة، منوهاً إلى أن العهد السابق برئاسة الملك عبد الله لم يستقبل قادة الحركة في السنوات الأخيرة وجرى اعتقال بعض قياداتها غير أن حماس لم تكن تعلن وكانت تلتزم الصمت أملاً في حل هذه القضايا ولضمان عدم زيادة الفجوة".

ونوه الكاتب والمحلل السياسي إلى أن اللقاء الذي جمع بقيادات الحركة ورئيس مكتبها السياسي السابق خالد مشعل ومحمد بن سلمان عام 2015 تحدث الأخير بشكلٍ واضح لقيادات حماس بحل مشاكلهم مع الولايات المتحدة أولاً.

حماس وإيران

وفيما يتعلق بتأثير علاقة حماس بإيران على علاقتها بالسعودية، ذكر عرابي أن تأثير ذلك غير حاضر بالمطلق خصوصاً وأن سياسات الرياض تجاه حماس هي من دفع بالأخيرة نحو تعزيز العلاقة بشكل كامل معها بعد فترة من التوتر.

وأتبع قائلاً: "منذ خروج حركة حماس من سوريا عام 2012 والرياض تدير ظهرها للحركة، بل على العكس أخذت تضيق عليها وهي الفترة الأخيرة من عهد الملك الراحل عبد الله، قبل أن تزداد سوءً في العهد الملكي الحالي عبر الاعتقالات وتجفيف منابع التمويل".

وفي آذار/ مارس الماضي بدأت السلطات السعودية بمحاكمة نحو 62 فلسطينيا (بعضهم من حملة الجوازات الأردنية) مقيمون داخل أراضيها من بينهم محمد الخضري الذي كان مسؤولا عن إدارة علاقة الحركة مع السعودية.

انقلاب السياسات

من جانبه، أكد المحلل السياسي والكاتب شرحبيل الغريب أن السعودية ماضية في تغير سياساتها عبر اعتقال كل من يدعم القضية الفلسطينية وليس حركة حماس فقط.

وقال الغريب لـ "شبكة قدس" إن حماس في العهد السابق كانت تستقبل وكان لها ممثل رسمي موجود داخل السعودية بالإضافة لجمع التبرعات المالية لدعم القضية الفلسطينية، موضحاً أن التحول الحالي يأتي في سياق الاصطفافات الجديدة ومحاولة محاصرة حماس في ظل صفقة القرن والوقوف خلف الرؤية الأمريكية.

وعن سبب إعلان حماس عن توتر علاقتها بالرياض، أرجع ذلك إلى فشل كل محاولات الحركة والوساطات، لاحتواء ملف المعتقلين وعلى رأسهم ممثل الحركة السابق وهو ما يؤكد وصول الأمور إلى طريق مسدود، متابعاً: "ما يجري حالياً يعكس حقيقة الأزمة والتوتر الواضح".

ورأى الغريب أن جزء من حالة التوتر الحاصلة بين حماس والسعودية يتمثل في العلاقة مع إيران الذي يغلب عليه الطابع الطائفي وتضع هذه المسألة كجزء من الاشتراطات، مستكملاً: "حماس تبرر ذهابها نحو إيران بعدما جرى قطيعتها من قبل دول الخليج وعلى رأسها السعودية".

وواصل قائلاً: إيران زادت من دعمها المالي والعسكري ودعم سياسي لصالح القضية الفلسطينية"، مستطرداً: "سلوك العهد السعودي الحالي هو كسر كل العلاقة التي كانت قائمة مع حماس في السابق ويقوم ببناء رؤية جديدة وهو ما يفسر على عدم إمكانية احتواء الأزمة في المشهد القريب".

شبه قطيعة

في السياق ذاته، أكد الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف على أن فشل الوساطات والجهود التي بذلت في الفترة الأخيرة سيقود إلى شبه قطعية كاملة مع النظام السعودي الحالي وتحديداً بعد المحاكمات التي جرت للمعتقلين.

وقال الصواف لـ "شبكة قدس" إن الاتهامات التي وجهت للمعتقلين فيها إهانة واضحة للمقاومة وإلصاق تهمة الإرهاب لها، مضيفاً: "التهم التي وجهت للمعتقلين وصفت حماس بالإرهاب وأن من يحاكمون قاموا بجمع المال لها".

وأشار في حديثه إلى أن السعودية وخلال بعض الفترات دعمت حماس بالمال بشكلٍ رسمي وفقاً لما أفصح عنه عضو مكتبها السياسي محمد نزال قبل أيام، معتبراً أن هذه التهم لا تتوافق مع الواقع وتاريخ العلاقة بين الطرفين.

 ولا يرى الصواف أن العلاقة بين حماس وإيران هي أحد أسباب التوتر القائمة مع العهد الحالي للنظام السعودي، منوهاً إلى أن من أسباب التغيرات الحاصلة هي السياسة الجديدة التي تتخذها السلطات هناك في السنوات الأخيرة.