شبكة قدس الإخبارية

رسائل لا تصل (1)

رحمة حجة

لأجل كل الرسائل الذاهبة مع الريح.. وتعويضًا عن كل التأويلات الموجعة لعدم تلقي أيّ رد، كانت "رسائل لا تصل"، موئلًا أسبوعيًا للباحثين عن مسافة البوح بين خطوات من الخوف والتردد.

لم أكن أتوقع الكتابة إليك بعد هذه الفترة الطويلة التي لم أتبين خلالها أسباب نأيك، حيث أتعبني التأويل والانتظار والتفكير بك، أو بكيفية التخلص من الذاكرة التي أورثتني إياها حين مكالمة عابرة منك، إذ انقطعت بعدها وانقطع صوتك العادي، الذي أتاني بكلمات غير عادية.

أعرف أنني سببتُ لك من القلق ما يكفيك، وبأنني تعجلت الأمور بيننا، وفقدت صبري بعدما وجدتك، أو بالأحرى وجدتني! لكن هذا لا يعني أنني فقدت السيطرة على مشاعري، إنما خشيت فقدان ذات المشاعر في فوهة الوقت الذي لا يرحم، وخشيت فقدك قبل كل ذلك، الشيء الذي ربما أزعجك واستغربته من تصرّف فتاة لا تدري سبب إعجابها بك، حيث لم تر منك سابقًا سوى عينين وجبين متقطب انشرح مرة واحدة أمامها، ربما خجلًا، حين التقت عيناها بعينيك.. المرة التي لم تتكرر.

لم أخبرك أنني قبل مكالمتك، ارتبكت شهورًا عدة بين الحيرة في سبب التفكير بك، والخشية من مصارحتك؛ لأنني لم أكن أتوقع ردة فعلك، وتحاشيت أن أُفهم من قِبَلكَ بطريقة سيئة، فأنا لا أعرفك! إنما قادني إحساسي وتحليلي لملامح شخصيتك من بُعد. وكثيرة هي الأشياء التي توقعتها فيك وتأكدت لي بعد ذات المكالمة.

ربما تستغرب إن قلت لك، في بعض النواحي كنتَ أفضل مما توقعت. ما أغراني بالاشتياق للقائك والإبحار أكثر في عالمك عبر عينيك وصوتك مجددًا وحركات يديك، وربما في ابتسامة تُلقيها صدفة دون أن تدري تأثيرها علي.

حين أتاني صوتك، تأكدت من العلاقة بيننا وبين الله، الذي يلامسني دفؤه كلما اقتربت منك، وأراك تقترب أكثر كلما وثقت روابطي معه.. هي معادلة سهلة، وصعبة المنال أحيانًا.. لكني أدرك أنها حقيقة ماثلة في حياتي، بالأحرى في الجانب الذي يخصك.

صدقني، نسيتك فترة من الزمن، ولم أعد أفكر بك، لكنك كنت تتراءى لي في كل شيء! وأيضًا فقدت شعوري نحوك عبر رؤية الأشياء المرتبطة بك، سيارتك، أصدقائك، شبيهي اسمك.. أو أحد من أفراد عائلتك. ولم يعد نبض قلبي تجاهك إلى سابق عهده، لكني أيضًا لم أتخلص من لوعة التفكير. وكلما زرتني في البال قمتُ بالكتابة لك على بياض شاشة إلكترونية؛ كي يَبرد الأمل بك وأتخلص من أفكاري حولك.

لكن الكتابة لا تريحني، بل بالعكس، تقودني أكثر للجنون، ونوبات من البكاء.. أحيانًا!

ما نهاية هذا الشيء؟ هل أتوقع منك ردًا؟ لا يهمّني، فأنا بالكتابة لا أسألك؛ لذا لا أنتظر منك جوابًا.. أنا أكتب للتخلص من بعض الهذيان، وأود إشراك أحد معي في الكتابة، حيث يقول الكاتب هشام شرابي "القراءة مشاركة في كتابة النص" ولم أجد صراحة أنسب من مشاركتك، إذ أعلم كم تكتسب الأشياء الخاصة خصوصية أجمل في حياتك.

وأعرف أيضًا أنني كنت أتمنى الحديث معك أكثر، وأن تتجرد من الأقنعة التي تحيط بها روحك ونفسك قليلًا كما تجردت منها حين هاتفتني، وتكون أكثر صدقًا معي.. ومع نفسك، وأكثر مغامرة قليلًا. ولن تخسر في أي من الأحوال حرفًا من اسمك، وأنا حتمًا سأظل أنا، بكامل صفاتي التي أحبها وأود لو تكون أفضل، وبكامل إنسانيتي تجاهك، حيث لم يتحجر قلبي بعد، والحياة مشرعة الأبواب أمامي، لا يزعجها سوى اللانهايات! 

لمَ أكتبُ لك؟ لمَ الآن؟ ما أعرفه أنك بت هاجسًا مؤرقاً لي في الفترة الأخيرة، وأعرف أنك نسيتني، أو ربما لم تنسني، حيث أدرك أنني لستُ المرأة التي تُنسَى. لكن فلنقل لا تــشعر بي. وكتبت لمجرد أن أرتاح فقط من عناء الذاكرة، وربما تموت بين كلماتي وفي روابط الحروف، فتضيع، وأتدارك روعة الحياة دونك!