في القدس أنت معرّض للموت وإطلاق الرصاص عليك في أية لحظة من قبل قوات شرطة الاحتلال وحرس حدوده المدججة بالسلاح، إذا أخرجت يدك من جيبك أو ركضت أو نظرت بتحدٍ وعنفوان اتجاه الجنود والشرطة أو حرس الحدود أو قمت بحركة تُغضب جنود الاحتلال فالموت بانتظارك.
وليس هذا فحسب، عند قيادتك لسيارتك وحدث بها خلل ميكانيكي أو خلل بشري أو لم تخضع لأوامر جنود الاحتلال وشرطته، فالرصاص سيعاجلك من كل صوب وحدب ويدع حداً لحياتك والتهمة جاهزة “حاول القيام بعملية دهس لجنود الاحتلال أو مستوطنيه”.
قصص وقضايا كثيرة حول طعن مزعوم وحتى مع افتراض محاولات الطعن بسكاكين فواكه لا تستطيع تقشير حبة الفاكهة أو مقص أو مفك، يستطيع الجندي أو الشرطي المتسربل بملابس ضد الرصاص أن يسيطر على من يحاول القيام بعملية الطعن أو كما يزعمون تحييده دون قتله، ولكنها شهوة القتل بدون حسيب أو رقيب أو محاكمة أو حتى مساءلة، تضع حداً لحياة إنسان.
والدم الفلسطيني والعربي عوّدنا العدو وكل دول الاستعمار والظلم والطغيان بأنه رخيص، فالجندي الإسرائيلي اليئور أزاريا الذي قتل الشهيد عبد الفتاح الشريف بدم بارد وبتوثيق أمام الكاميرات في الخليل، هذا الجندي نال الثناء والمديح والتشجيع من قادة الاحتلال، بما فيهم وزيرة ما يسمى بالعدل الصهيوني آنذاك ايليت شاكيد وأيضاً وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان.
بالأمس، كان رصاص شرطة الاحتلال بانتظار الشاب ماهر زعاترة، حيث كان يركض في منطقة باب الأسباط ويبدو بأنه يريد أن يلحق موعد الصلاة، أو ركض لسبب ما زلنا نجهله، ولكن هذا الركض وعدم الانصياع لأوامر وصراخ جنود الاحتلال كان كافياً، لكي تخترق جسده عشرون رصاصة ولتضع حداً لحياته، تاركاً خلفه ثلاثة أطفال.
ونحن في المكبر نستذكر العديد من شهداء البلدة الذين قتلوا بدم بارد تحت حجج وذرائع محاولة الطعن والسكاكين جاهزة لكي تلقى بجوار الجثة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، الشهيد الطفل عبد الرحمن أبو جمل برر الاحتلال عملية قتله بالرصاص بأنه اقتحم مقر شرطة "عوز" في قمة جبل المكبر، ولكن كل المعطيات تقول بأن جنود الاحتلال هم من جاؤوا به إلى داخل معسكرهم وجرت عملية تصفيته هناك، حيث ضُرب بأعقاب البنادق حتى الموت.
أما الشهيد إبراهيم مطر شقيرات خرج لأداء صلاة الفجر في الأقصى، والنتيجة أن رصاص جنود الاحتلال على بوابة “باب الأسباط” وضع حداً لحياته، والذريعة أنه حاول أن يطعن جنود الاحتلال.
والطفل معتز عويسات الذي كان متواجداً في مستوطنة "أرمون هنتسيف" على قمة جبل المكبر، كان يحمل حقيبته المدرسية، واشتبهت إحدى المستوطنات به، لتأتي شرطة الاحتلال وتطلق عليه الرصاص.
والشهيد عمران أبو دهيم الذي كان يقود سيارته في بلدة الطور، يبدو بأنه فقد السيطرة عليها، وكان في طريقه سيارة لشرطة الاحتلال، ودون أي مساءلة أُطلق عليه الرصاص واستشهد، وكذلك الشهيد نديم شقيرات، كان قد أصيب بنوبة قلبية، وجرى طلب الإسعاف لنقله إلى المستشفى، ولكن في تلك الفترة كانت هناك عقوبات جماعية على البلدة، ومُنعت الإسعاف من الوصول لنقله إلى المشفى، ويستشهد.
أمّا الشهيد صهيب مشاهرة كان عائداً من بيت أخته، فعدم سماعه أو انصياعه لأوامر الجنود دفع ثمنه حياته.
الاحتلال في مدينة القدس "يتغول" و" يتوحش" على شعبنا بطريقة غير مسبوقة، ولعل مشاهد الاعتداء على المرابطين والمرابطات ورواد صلوات الفجر في الأقصى، ومطاردة وملاحقة من يوزعون الكعك والفلافل والقهوة والسحلب والماء والحلويات عليهم، بالاعتقال والإبعاد والضرب والتنكيل وفرض الغرامات، تؤشر إلى أن الاحتلال بات يستهدف الوجود الفلسطيني في المدينة بكل أشكاله.
كان الله في عون القدس والمقدسيين التي يكثر بحقها المتآمرون، وكان الله في عون أهل المكبر وغيرها من بلدات القدس التي باتت هدفاً لاعتداءات قوات الاحتلال وشرطته الدائمة.