منذ الحرب العالمية الأولى بات واضحًا أن الإعلام سلاح فتاك، يوازي أحيانًا خطر الرصاصة وقد يفوقها، لانه ببساطة يتعلق بالفكر، قد تقضي الرصاصة على جسدٍ لكنها لا تقضي على فكرة، فيا لهناه من أحسن توظيف الإعلام في معركته ويا لتُعس من غفِل عنه.
في معركتنا المتواصلة مع الاحتلال، أحسن عدونا استخدام هذا السلاح ولكن للأسف لم نصل نحن إلى مستواه وليس هذا لقلة الإمكانيات وإنما لعدم توفر الإرادة والمبادرة، وهذا العجز للأسف يتمثل في قلة المحتوى الفلسطيني الموجه للعالم، وأيضًا ضعف غريب للإعلام المحلي الموجه للجمهور الفلسطيني ببعض القضايا الهامة.
قبل أشهر انتشر مقطع مصور يُظهر شابًا فلسطينيًا أعزلًا أوقفه الجنود عند حاجز الزعيّم ثم طلبوا منه الانصراف، وبينما هو يبتعد عنهم رافعًا يديه وظهره للجنود تراهن الجنود على إصابته وبالفعل أصابوه وسقط أرضًا أمام عدسة الكاميرا، يومها نمت وأنا أعتقد بأن المقطع سيلف العالم وستوزعه سفاراتنا وستوظّف جهدًا كبيرًا لإيصاله لسكان دول العالم، كل سفارة في البلد الذي بُعثت إليه، لكن.. ويحي ما أحمقني وما أسخف توقعاتي.
تذكرت حين استيقظت من أوهامي كيف استنفر صهاينة العالم جميعًا حين أسرت المقاومة الفلسطينية الجندي شاليط من وسط دبابته التي يقصف منها المدنيين، لإظهاره بمظهر المظلوم المختطف والضفط لاطلاق سراحه، وفي المقابل لم ننجح بفك قيد الأسير بسام السايح واستشهد وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة على سمع العالم أجمع ولا حتى باستغلال شهادته لإظهار حجم الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد الأسرى.
مؤخرًا فقد الصحفي معاذ عمارنة عينه برصاص الاحتلال والصحفي عطية درويش فقد عينه بعد فترة قصيرة إثر إصابة سابقة تعرض لها أثناء عمله الصحفي، ثم ماذا؟ لا شيء.. كم أجنبي سمع بهذه الجرائم؟ ماذا فعلت السفارات الفلسطينية؟ الخارجية؟ نقابة الصحفيين؟ نحن؟ نعم كان هناك جهد على المستوى العربي ولكن ماذا عن التحركات بالدول الغربية؟ هل كان الجهد يوازي الجريمة وهل لو كان الصحفي مستوطنًا لكان التوظيف الإعلامي من الاحتلال نفس الذي قمنا به؟
هذا الحال نعيشه منذ سنوات طويلة ولم نشهد غيره وربما استمرار هذا الحال أصابنا بالبلادة وفقدنا الإدراك بأهمية ما فشلنا به ولم يعد هناك مطالبات أصلًا بضرورة الالتفات إلى ذلك، لكن الأخطر والأصعب هو ما نراه من أداء إعلامنا المحلي والصحفيين وحتى المستخدمين العاديين لمواقع التواصل الاجتماعي، اليوم كل وسيلة إعلامية تضع مرجعيتها وحدها دون اتفاق حتى على خطوط عرضية تتناسب وقضيتنا الفلسطينية، بالإضافة لمن يعمل حتى دون مرجعية "على السبحانية".
ولذا لا عجب أن نرى "صحافيًا" ينشر خبرًا عن إعلام الاحتلال حرفيًا، يفيد بإصابة "طفلة إسرائيلية" إثر قصف المقاومة لمستوطنات الغلاف، وربما لو أسهب الإعلام العبري بأنسنة الخبر وقال "أصيبت حين كانت تلهو بلعبتها" لنقله الصحفي الجهبذ كما هو، ليس هذا فحسب، بل يهاجم كل من يوضّح له من زملائه الصحفيين خطورة ما يفعل!
بالأمس وحين بدأ نجم أدرعي بالسطوع كان الكثير يتسابق لمشاركة فيديوهاته ومنشوراته، مرفقًا تلك المنشورات بتهكم وسباب، ولم يكن أدرعي يحلم بأكثر من ذلك، فكانت أفضل طريقة ترويجية لصفحته لبث أفكاره ومهاجمة المقاومة وتفكيك الجبهة الداخلية الفلسطينية، كان أفخاي -وكل من على شاكلته ممن يعملون بشكل منظم وبناءً على أسس وأهداف محددة يعملون من أجل نجاحها- يدركون أن مسألة اختراق الفكر العربي وفك عزلة الاحتلال قضية ليست سهلة ولكنها أشبه بمن أُصيب بالعمى ويريد خوض عملية جراحية نسبة نجاحها ضئيلة، هو بكل الحالات أعمى ولكن لو حدث نجاح بنسبة 1% فهو نجاح هائل، وهكذا يعمل المُحتل الذي يوجه رسالته للعرب والمسلمين بلغتهم، لو 0.1% منا اقتنع بروايتهم أو حتى بدأت الأفكار تتصارع في رأسه لكان نجاحًا باهرًا للاحتلال وخسارة فادحة لنا وهو ما حصل بالفعل.
اليوم، لم يعد أفخاي ومن على شاكلته لوحدهم من يحظون بالمتابعة، بل وصل الحال إلى صحفيي الاحتلال الذي أيضًا يعملون ضمن خطط خبيثة جدًا ويعلمون جيدًا ماذا يفعلون –إن حذرنا منهم سيقول قائل أنتم تعيشون بوهم نظرية المؤامرة- لكن مهما كان الجواب فلا بد من التحذير وهي حتمًا خطط خبيثة وإن لم يدرك الكثيرون خطرها الآن، هذا إيدي كوهين مثلًا.. هذا الكائن يصيبني بالقهر دومًا، كيف حلّ ضيفًا على منشوراتنا وإعلامنا بهذه البساطة؟!
يتداول الأصدقاء منشورات كوهين المخوّنة للزعماء العرب، بالمناسبة لست هنا مدافعًا عنهم وسجل خيانات بعضهم بات لا يُوصف، ولكن لم ولن أقبل بأن أكون بوقًا أردد ما يقول صحفي خبيث يعلم ماذا يفعل، نعم قد نتعامل بحذر مع وسائل الإعلام العبرية ضمن ضوابط ومحددات واضحة، ولكن لا يمكن التعامل مع رأي لصحفي يبث سمومه بيننا، هو ذات الصحفي سيهاجم الرئيس عباس ليدفع أبناء حماس لتداول تغريداته وبعد أن ينتشر ويكثر متابعوه سيهاجم حماس ليدفع أبناء فتح لتداول تغريداته، وما أجمله من موقف حين يستدل أبناء أكبر حزبين على صوابية رأيهم بتغريدة لصهيوني يرقبهم بابتسامة تقتل كل حر!
إن التعامل مع ما يبثه الاحتلال كالتعامل مع قنبلة متفجرة لا يُنصح بالاقتراب منها إلا لأصحاب الاختصاص ممن هم على اطلاع واسع وإدراك كبير لمثل هذه الظروف، فهنا تكلفة الخطأ باهضة وقد لا يمكن تحملها.
أعتقد أن التعامل الوحيد المتاح مع ما يبثه الاحتلال، حين يكون المحتوى ذا قيمة خبرية تستحق النقل وبالطبع التعامل الإعلامي في هذه الحالة يخضع لضوابط قوية أهمها التعامل مع كل ما ينشره الاحتلال من معلومات على أنها مزاعم ما لم يثبت صحتها من مصدر آخر، وأيضًا إظهار التشكيك بالعنوان حين صناعة خبر من هذه المعلومات، بالإضافة إلى التحرير الجيد والانتباه الدقيق للمصطلحات كي لا نكون تبعًا وإمعات للعدو ورسالته.
ختامًا، لا أبالغ إن قلت إن التعامل السطحي دون انتباه مع الاحتلال وإعلامه من وسائلنا الإعلامية والنشطاء والمستخدمين لمواقع التواصل لا يقل خطورةً وضررًا عن التطبيع، ونؤكد المؤكد بأن المشاركة المباشرة لمحتوى يبثه الاحتلال من خلال منصاته يساهم في الترويج لهذه المنصات حتى لو لم نقصد، والتعامل مع آراء وسموم صحفييه بطريقة سطحية يفك العزلة التي يُفترض أن يُحاطوا بها، ويكسر الحاجز النفسي باعتبارهم مجرد كيان ظالم لا حق لهم ببث سمومهم.