شبكة قدس الإخبارية

لماذا عزيز مرقة؟

83138665_2625674974211639_2731103024159129600_n
عبيدة سامي

منذ أيام والجدل مستمر حول الفنان الأردني عزيز مرقة الذي شارك بمهرجان احتفالي في كفرياسيف بالداخل الفلسطيني المحتل وهو ما اعتبره فلسطينيون تطبيعًا مع الاحتلال كونه اخترق أحد معايير المقاطعة (المشاركة بفعالية برعاية من الاحتلال)، لكن فلسطينيين غيرهم لم يعجبهم وصفه بالمطبع خاصة في ظل التعقيب الذي خرج به وأيضًا تعقيب مجلس محلي كفرياسيف.

لم يقبل مرقة بأن يوصف بالمطبع وجادل كثيرًا للتخلص من التهمة، وهو أمر بديهي في ظل موجة العداء الشعبي للتطبيع مع الاحتلال، وما يمكن أن يدفع المطبع من ثمن خاصة إن كان يتمتع بجمهور واسع رافض للتطبيع، لكن عزيز كلما حاول الخروج من مأزق دخل بأكبر منه وكلما حاول التبرير يغرق في الدوامة أكثر.

بدأت الحكاية حين زار كفرياسيف في الداخل الفلسطيني المحتل في 16/12 من العام المنصرم ضمن فعاليات مهرجان "كريسماس ماركت" وهو ما اعتبرته حركة مقاطعة الاحتلال تطبيعًا كون المهرجان ممول من وزارة الثقافة في حكومة الاحتلال، لكن مرقة أكد بفيديو له أن فقرته كانت بعد المهرجان وليس خلال فعالياته وهو كلام متوافق مع بيان لمجلس محلي كفرياسيف، وتحول دفاع مرقة إلى عتاب حين قال إن مأخذه على حركة المقاطعة BDS هو ما حدث بإلصاق تهمة التطبيع عليه من خلال إضافة لوجو للرعاية على بوستر الفعالية، وهو ما نفته حركة المقاطعة بشكل واضح.

خسر الفنان الأردني بزيارته بعضًا من جمهوره لكنه نوعًا ما حافظ على جزء آخر خاصة بعد الفيديو الذي تضمن اعتذرًا مشوبًا بالكثير من الإصرار على صوابية ما فعل، ومهاجمته من هاجم فعلته! لكن خسارته الأكبر كانت قبوله إجراء مقابلة مع صحيفة "هآرتس" العبرية وهو ما أحدث صدمة لمتابعيه الذين قبلوا اعتذاره عن الزيارة، ومرةً أخرى خرج مرقة بفيديو لمحاولة التبرير وليته لم يفعل!

بدأ مرقة حديثه بمغالطة جديدة وكأنه يصر على معالجة الخطأ بأخطاء، قال إن حركة المقاطعة تعتبر كل فنان يدخل للغناء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة على أنه مطبّع وهنا يظهر مرقة وكأنه يريد حرف الرأي العام بالجانب الذي يريد، بدايةً اتهم حركة المقاطعة بتزوير بوستر الحفل ثم نسب إليهم اتهامهم كل فنان يدخل الأراضي المحتلة بأنه مطبع.

عرّج عزيز خلال حديثه للقضية الأهم، قال إنه رفض التعاطي مع إعلام الاحتلال لانه يعتبر ذلك تطبيعًا، ثم قرر قبول اللقاء! وعلى إثر الرفض الشعبي للمقابلة قال عزيز إنه اتضح له أن هذه الصحيفة تريد اختيار ما يزّين الاحتلال، فهل كان يعتقد أنّ الاحتلال سيهاجم نفسه؟

اعترف مرقة إذن بالخطأ الذي وقع به بتعامله مع إعلام الاحتلال، لكنه سرعان ما وقع في خطأ أكبر حين نعت مجندة مجرمة في جيش الاحتلال بأنها "بنت يهودية"، وقبل ذلك أصلًا ليس من السهل للجمهور نسيان الحديث المنتشر على "هآرتس" على أنه بين مرقة والمجندة.

الجميل في كل ما سبق أن الفنان الأردني قرر عدم تكرار ما حدث على الرغم من تأكيده سابقًا أنه سيعود، نعم نحن بحاجة لكل متضامن لكن لسنا بحاجة لمن يجمّل صورة الاحتلال بقصد أو بغير قصد، وفلسطين ليست مغلقة أمام الفنانين كما حاول الايحاء بذلك، وإنما من يريد زيارة الشعب الفلسطيني والتضامن معه واجب عليه أن يلتزم بمعايير المقاطعة.

اللافت في قصة عزيز مرقة أن البعض لم يدرك خطورة الموقف وظنّ أن ما جرى معه مجرد عداء، والسؤال هنا لماذا العداء؟ لماذا لم يكن هذا العداء من قبل؟ ولماذا هو بالذات وليس غيره؟ هل لو التزم بمعايير المقاطعة سيتعرض للمهاجمة؟ بالطبع لا، ولو لم يقف أنصار المقاطعة وقفتهم هذه لما تراجع عن فعلته واعترف بأخطائه، وبذلك تكون الرسالة وصلت له ولمن يفكر بالاقتداء على أثره.

في الجدل الذي أحدثه مرقة، ظهرت تساؤلات مشروعة، أهمها عن سبب الثقة بحركة المقاطعة BDS، والجواب بسيط فهي حركة غير حزبية تنشط بشكل كبير جدًا في كل العالم لزيادة عزلة الاحتلال وتحظى باجماع كل الأطياف الفلسطينية من أقصى اليمين حتى أقصى اليسار، فيمكن مثلًا الاختلاف على حماس أو فتح أو الشعبية لكن لم يصدف أن هاجم أحد حركة المقاطعة إلا من يرى في التطبيع مصلحة شخصية.

التساؤل الذي لا يقل أهمية هو حول معايير المقاطعة، الحركة عليها ملاحظات حول المعايير ومنبع هذه الملاحظات أن لكل إنسان وجهة النظر الخاصة به والرؤية التي يراها الأنسب في موضوع التطبيع، وهنا تقع حركة المقاطعة ما بين ما يطالب بالسماح للجميع بزيارة فلسطين دون قيد أو شرط كشكل من أشكال التضامن وتعزيز التواجد الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وما بين من يرى دخول فلسطين تحت الاحتلال بأي طريقة كانت هو تطبيع مرفوض، وهنا كان معيار حركة المقاطعة هو الأنسب والأوسط، فهي لا تمنع دخول فلسطين المحتلة وبالوقت نفسه لا تسمح بذلك بأي وسيلة وإنما تسمح بالدخول بتصريح من السلطة الفلسطينية وتمنع الدخول بتأشيرة من سفارات الاحتلال.

كما تمنع حركة المقاطعة المشاركة في أي نشاط برعاية من الاحتلال وهو ما وقع فيه مرقة حسب تأكيد الحركة، والفكرة الرئيسية للمقاطعة والمناضلين ضد التطبيع، أن لا يكون التعامل مع العدو طبيعيًا ولكي لا نعتاد التعامل معه ونكسر حاجز العداء، فالاحتلال هو الاحتلال، فلا يعقل فصل الفن أو الرياضة أو الثقافة بدعوى عدم الاكتراث بالسياسة! هذه جريمة لا يمكن القبول بها -والحديث هنا بالعموم لا عن أشخاص- هل يقبل عاقلٌ أن يحتل مجرم بيته ويقتل أباه ثم يلعب معه كرة القدم مثلًا أو يعزف الموسيقى بحجة أنها لا علاقة لها بموقفه من احتلال بيته وقتل رب البيت؟

ذات يوم، سيرحل هذا الاحتلال وسيسجل التاريخ للمطبيع مواقفهم، كما سيسجل بأحرفٍ من نور للمدافعين عن القضية دفاعهم ورباطهم وحمايتهم للبلاد من الاحتلال الفكري الذي يحاول دعاة التطبيع تحقيقه.

#الاحتلال #مقاطعة #عزيز مرقة