لأكثر من نصف شهر، تستمر الأزمة في جامعة بيرزيت لتتكشف يومًا بعد يوم العديد من التناقضات والأزمات التي تراكمت وتجمّعت لتضاعف قطر الأزمة الحالية وتزيد من تعقيداتها.
بيرزيت هذه الجامعة التي لطالما تغنّت بنهجها المتفتّح والليبرالي ومساحة الحريات العالية فيها والديمقراطية هي الآن من تقع تحت المجهر لا لنرثيَها بل لتكن بوصلتها كما عهدناها دائما، فلطالما كان نهجها أن النقد البناء هو ناصية البيت ووتده على امتداد تاريخها لتفريغ وتقزيم الفجوة ما بين المفهوم والممارسة في كل ما يطرأ من أزمات واشكاليات.
منذ بزوغها كجامعة فلسطينية تحت حكم الادارة المدنية سعت جامعة بيرزيت لترسيخ نهجها الاكاديمي النضالي، هذا النهج قام بالأساس على العديد من الأسس داخليًا والتي تتلخّص بمفاهيم الديمًقراطية والشفافية وحرية التعبير بشكل أساسي، وإن أي محاولة لتدجين احد هذه الأسس أو تقنينها يعتبر انتهاكًا لنهج الجامعة الوطني الحرّ ايًّا كان من ينتهكه او من يحدّده.
على مستوى الديمًقراطية والشفافية, لطالما تغنت بيرزيت بنزاهة انتخاباتها المتمثلة بانتخابات مجلس الطلبة والتي تكاد تكون العملية الديمًقراطية الوحيدة على المستوى الوطني، لكن السؤال الذي لم يقم أحد بسؤاله من قبل، ما هي الاليات الديمًقراطية التي يتم على أساسها تعيين واختيار أعضاء مجلس الجامعة؟
هذا المجلس والذي يتكوّن من عمداء الكليات بالإضافة إلى نواب رئيس الجامعة والرئيس وعميد شؤون الطلبة ليشكّل ما نعرفه اصطلاحًا بإدارة الجامعة، وما هي المعايير التي يتم الاختيار بناءً عليها إن كان اختيارهم يتم بطرق غير ديمقراطية؟ التكنوقراط مثلاً أم حلول اقرب للعشائرية والأقربون "أولى بالمناصب"؟ ولماذا هذه الهالة العظيمة من السريّة التي تحجب النظر إلى أي تفصيل مختص بهذا الملف تحديدًا؟ وكيف تبرر إدارة الجامعة إلتزامها العلني بمبدأ الشفافية ولا يوجد أحد فيها من أساتذة وطلبة وموظفين يعلم آليات اختيار أحد أهم أركان الجامعة ألا وهو إدارة الجامعة؟ أليست معايير اختيار مجلس الجامعة هي عنوان الأزمة القادمة بين إدارة الجامعة ونقابة الموظفين؟ ثم ما هي النظرية الإدارية النزيهة والشفافة التي يمكن أن تستند عليها إدارة بيرزيت لتبرير وجود عميد شؤون الطلبة لأكثر من عشر سنوات في منصبه تحت المسمى القانوني "القائم بأعمال عميد شؤون الطلبة"؟
يعتبر منصب عميد شؤون الطلبة أحد أهم المناصب الإدارية في إدارة الجامعة والذي تختص مهامه بالقضايا الطلابية حيث يترأس أحد أهم دوائر الجامعة (دائرة شؤون الطلبة) التي تعتبر حلقة الوصل القانونية بين مجلس الطلبة ومجلس الجامعة، وهو باختصار صوت الطلاب داخل أروقة الإدارة، وهو حلقة الوصل التي لا يجب أن تنقطع تحت أي ظرف من الظروف ما بين الطلاب والإدارة، فأين عميد شؤون الطلبة خلال الأزمة الحالية حيث أنه لم يقم بزيارة الجامعة ولو لمرّة واحدة للاستماع للطلبة كما هو مطلوب منه بل إن هذا يقع في صلب مهامه وواجباته؟
وللاستفاضة أكثر إن أي اعتصام او اضراب طلابي حدث خلال السنوات الماضية كان عميد شؤون الطلبة يقوم بزيارات دورية للطلاب إما للتقريب بين وجهات النظر مع الإدارة أو لمجرد الاطمئنان وتوفير ظروف اعتصام ملائمة وآدمّية بالحد الأدنى، فأين عميد شؤون الطلبة من كل ما يحدث؟ ولماذا هذا الغياب غير المبرر والمبهم وغير المفهوم إطلاقًا؟ لدرجة أنه لم يذهب للاطمئنان على الطلاب الذين وصلوا المشافي نتيجة البرد وظروف الاعتصام السيئة ولو للتنسيق مع المشافي من أجل إدراج علاج الطلبة تحت تأمين الجامعة وهو ما لم يقم به!
إن غياب عميد شؤون الطلبة هو أحد أهم أسباب تعقيد الأزمة الحالية وقد يكون فهم هذا الغياب بداية لفهم استعصاء هذه الأزمة عن إيجاد الحلول كما في المرّات السابقة، بل ومن الممكن أيضًا أن يؤدي فكّ لغز غياب العميد إلى إيجاد سبل الانفراج بالأزمة الحالية.
أما على صعيد حرية التعبير فان عدم نشر العديد من الوكالات الصحفية المرموقة لأية أخبار أو تغطيات لما يحدث بالجامعة تحت ذريعة "التعاقد مع الجامعة" فهو دليل واضح على سياسة تكميم الأفواه التي تنتهجها إدارة الجامعة خارجيًا بالإضافة إلى سياسة التكميم الداخلية والتي أثبتناها في مقالنا السابق بان إدارة الجامعة تحدد وتقنن وتدجن الحريات داخل الجامعة.