فلسطين المحتلة – قدس الإخبارية: لم يعد شيء يستعصِ على المقاومةِ الفلسطينية في قطاع غزة، إلا وخاضت فيه نزالٌ أربك حسابات الكيان ومنظومته الأمنية، استطاعت المقاومة الفلسطينية بعد أسرها للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الحفاظ عليه لمدةٍ زادت عن خمسِ سنواتٍ، تخللها تصعيدٌ إسرائيلي عاميّ 2006 و 2009، لم يكن بحسبان إسرائيل أنها باتت تواجه جيشًا مُنظمًا، استطاع جيش المقاومة الفلسطينية خوض حروبٍ عديدة مع إسرائيل، كأول إقليم يخوض حربًا مع إسرائيل بعد عام 1967 باستثناء لبنان في بعض المحطات عاميّ 1982 و 2006.
منظومةُ المقاومة القتالية تطورت بشكلٍ تدريجي عام 2012، حينما قصفت تل أبيب لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، زاد ذلك في معركةِ العصفِ المأكول عام 2014، حينها برز للمقاومة أوجهٍ جديدة يملؤها التطور العسكري في المنظومة القتالية، بجانب منظومة الاتصالات الخاصة بها، والتي سعت إسرائيل للوصولِ إليها من عدة محاور، دون أن تنجح، أخرها في نوفمبر عام 2018، خلال محاولة وحدة سييرت متكال الإسرائيلية الخاصة، الدخول لغزة لزرع منظومة تجسس واتصال على المقاومة، ولم تنجح، دخلت غزة لتحرير الأسرى لدى المقاومة، فخرجت بحثًا عن عناصرها.
هل باتت المقاومةُ الفلسطينية تمتلك إستراتيجية أمنية في غزة؟
منذ أن عملت المقاومة الفلسطينية على إنشاء الأنفاق، وهي تجهزُ أسلوبًا جديدًا في المواجهة المباشرة مع دولةٍ يُصنف جيشها من أقوى جيوش العالم، بجانب منظومتها الأمنية الإستخباراتية المتفوقة عالميًا، كنظامٍ أمريكي مطبق في المنطقة العربية، إستراتيجية الأنفاق شكلت رادعًا حقيقيًا لتوغل الجيش الإسرائيلي لداخل القطاع خوفًا من عمليات المباغتة والأسر لعناصره، ولم ينجح بذلك إلى حدٍ كبير، خاصةً وأن شاليط اختطف عن طريق الأنفاق، وكذلك شاؤول أرون وهدار جولدن وغيرهم، بجانب أن الأنفاق أوصلتهم إلى مواقع حساسة داخل السياج الحدودي من ناحية أراضي الضفة المحتلة، واستطاعت المقاومة من خلال ذلك أن تبلور منظومةُ اتصالٍ خاصة بها، وبالتحديد لكتائب القسام للحفاظ على أمنها بعيدًا عن الأجهزةِ الأمنية الإسرائيلية، برز ذلك من خلال المحافظة على شاليط طوال الخمس سنوات، ومحاولات إسرائيل البائسة لضرب هذه المنظومة منذ عام 2012 ولم تنجح في ذلك، بل زاد من ذلك بانها امتلكت إستراتيجيةً تتمتع بها المقاومة في الوصول لكلِّ جسمٍ غريب يدخل القطاع.
إن الكشف عن خيوطِ عمليةِ حدّ السيف، وهي عملية معقدة غامر بها رئيس أركان جيش الاحتلال كوخافي، تمكنت المقاومة من كشفِ كامل عناصرها، بالرغم من الذكاء الإسرائيلي في هذه العملية، والذي تمثل في وصول استخبارات الاحتلال إلى عائلة تقطن قطاع غزة، واستخدام أفرادها كأسماءٍ وهميةٍ لضباط في الوحدة الصهيونية، استغرق الكشف عن هذه التفاصيل والاشتباك معها من نقطة صفر، أربعون دقيقة، مما أظهر أن حدود القطاع تؤمن نهارًا من الأمن الفلسطيني في غزة، وفي الليل تكون في حراسةِ جنودِ الله على الأرض، وما من شيء يخرج ويدخل غزة إلا ويكون من تحت أنظارهم.
وحينما تحدث العديد من المحللين، عن آليةِ عمل الأنفاق، نستطيع القول، إن المقاومة الفلسطينية باتت تمتلك مدينةً كاملةً تحت الأرض، تدير معاركها مع الاحتلال بشكلٍ أمنيٍ إستراتيجيٍ متكامل، من خلال منظومة الاتصال الخاصة بالمقاومة، وسعت إسرائيل جاهدة في معركة استمرت 52 يومًا، القضاء على منظومة الاتصال، وقطع الاتصال ما بين قيادة المركز والمحيط، إلا أن إسرائيل طوال فترة حرب عام 2014، كانت تتفاجئ من آلية الاتصال والتواصل خاصة في عملية ناحال عوز وأبو مطيبق واقتحام شواطئ عسقلان وغيرها، ليتبين أن المقاومة باتت تدير المعركة من خلال منظومة اتصالٍ تتفوق على منظومة التجسس الإسرائيلية وما يدعمها في ذلك.
خسرت المقاومة خلال العامين الماضيين ما يقارب ثلاثة عشر عنصرًا، في سبيل حماية هذه المنظومة، إلا أنهم تمكنوا من كشف الوحدةِ الصهيونية أولا، ومحاولة اختراق المنظومة عن طريقٍ جهاز اتصال وتجسس في ذات الوقت زرع في المنطقة الحدودية داخل القطاع، عن طريق العملاء، والمشاهدُ التي عرضت في تحقيق الإعلامي تامر مسحال في برنامج ما خفي أعظم، تبين بان هناك من يراقب كل الإتصالات الداخلية والخارجية من تحت الأرض من قبل مختصين في الاتصالات والشبكات المعلوماتية.
ومنذ عام 2014 والمواجهة مع الاحتلال في ظلِّ تصعيده المتواصل على قطاع غزة، هي مواجهة عقولٍ وأدمغة تفوقت فيها المقاومة في كثير من المحطات، لاسيما وأنها استطاعت أن تعرقل العمليةِ الأمنية وتهدد الكيان في كلِّ جولة، وامتلكت مبدأ القصفِ بالقصف، والحرب سِجال، ما منح الغطاء الأمني للقطاع، بان اختراقه سيكلف الكيان خسارةً سياسةً كما حال ليبرمان وأولمرت وليفني وموشيه يعلون وغيرهم، وخسارةُ عسكرية كالتي ألمت بكوخافي حينما غامر بوحدة سييرت متكال عام 2018 كأخر محاولاته لزعزعةِ الامن في غزة، ولم ينجح، وهذا يعطي شارةً بأن المقاومة باتت تكيلُ المواجهةَ بمكيالين، ميكالٌ عسكري متمثل في الجهوزية العسكرية الكاملة، ومكيالٌ استخباراتي من خلال امتلاكها لمنظومة اتصالٍ يصعب على أقوى أجهزة الاستخبارات اختراقها، وهذه إستراتيجية تعتبر من أهم الاستراتيجيات العسكرية في الحفاظ على قوة الجيش داخليًا.