شبكة قدس الإخبارية

"الشيف" بلا حواس

NgVF4
رشا حرز الله

قبل دخوله إلى المستشفى، لإجراء عملية في عينه، أخبر "الشيف" ليث والدته جميلة عن نيته تأسيس مشروع خاص يقوم على عمل "مطعم متنقل" يقدم من خلاله مختلف الأطعمة والوجبات السريعة للزبائن، الفكرة هذه لاقت استحسانا لدى الأم التي وعدت ابنها بمساعدته في تحقيق حلمه حال تماثله للشفاء.

في اليوم المحدد للعملية، هيأ ليث كنعان البرغوثي (26 عاما) نفسه، وحضر حقيبة ملابسه وكل ما يحتاجه، بعد أن اتفق مع الطبيب الفلسطيني القادم من العاصمة اللبنانية بيروت غسان أبو ستة، على إجراء عملية في عينه اليمنى، التي فقدها عقب إصابته بقنبلة غاز مسيل للدموع، أطلقتها صوبه قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال مواجهات اندلعت عند المدخل الشمالي لمدينة البيرة، في التاسع من كانون الأول/ديسمبر عام 2017.

قبلها، ظل ليث لعام كامل يتردد على الأطباء باحثا عن الأمل في استعادة الرؤية بعينه، وفصل مجرى الدمع عن التنفس، بعد أن أحدثت الإصابة تجويفا كبيرا بينهما ليصبحا مجرى واحدا، وبالتالي نزول إفرازات العين على الأنف، والتسبب بحدوث اختناق دائم لدى ليث خاصة أثناء النوم.

الأطباء أكدوا له استحالة استعادة الرؤية، فلم يدخر جهدا، سافر إلى الأردن والتقى بأطباء وأخصائيي عيون كثر، جميعهم قالوا إن الأمل مستحيل، فأقنعه الطبيب أبو ستة الذي كان يتواجد في عمان بزراعة عين صناعية، وعمل ترميم للتجويف بحيث يتم من خلاله فصل المجرى.

أخبر الطبيب أبو ستة، ليث أنه سيزور فلسطين ضمن وفد طبي من تخصصات مختلفة وسيشرف بنفسه على عمليته، فوافق ليث، وقدم الطبيب وجرى الاتفاق على أن يكون 19 كانون الثاني/ يناير الماضي موعدا للعملية، في المستشفى الاستشاري بمدينة رام الله.

لكن الطبيب أبو ستة اضطر لتأجيل العملية بعد أن لاحظ إصابة ليث بالزكام والتهاب اللوز، وجرى تحديد موعد آخر لحين تماثله للشفاء، واتفقا على الـرابع والعشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، حيث حضّر ليث وعائلته أنفسهم، وفي الليلة التي سبقت إجراء العملية حدث ما لم يكن بالحسبان.

فقد داهمت قوة كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي منزل ليث في حي بطن الهوى بمدينة رام الله، وقامت باعتقاله.

والدته جميلة عبد ربه "البرغوثي" تقول: "اعتقلوه بعد أن وصلت اللقمة إلى الفم".

عملية ليث كانت دقيقة وخطرة، حيث أخبر الطبيب العائلة أنه سيتم استئصال خلايا جلدية من منطقة الرأس، لزراعتها في تجويف العين والخد، وسد الفراغ الكبير الذي أحدثته الإصابة، ليستطيعوا بعدها زراعة العين الصناعية.

انتظر الطبيب أبو ستة، ليث، علّ الاحتلال يفرج عنه، لكنه اضطر لمغادرة فلسطين بسبب انتهاء المدة المحددة لوجوده، وعاد أدراجه إلى بيروت وبقي ليث أسيرا.

"حاولنا منع جنود الاحتلال من اعتقاله وأن وضعه الصحي لا يسمح بذلك، وأنه بحاجة للعلاج، فمنذ إصابته وليث يحتاج يوميا إلى تغيير الضمادات التي يغطي بها عينه، كذلك أدوية لتخفيف الصداع الذي يصيبه جراء الإصابة، كما أن مناعته ضعفت، لا يغادره المرض، وغالبا يفقد توازنه خلال الوقوف لكنهم رفضوا حتى الإصغاء" تقول الأم.

"ماذا لو حدث اختناق لليث داخل السجن وهو نائم"؟ تتساءل الأم، مبدية خوفا بالغا على صحة ابنها، القابع حاليا في مركز تحقيق المسكوبية، والذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة الإنسانية، حيث ارتفاع نسبة الرطوبة فيه ستؤثر على حياة ليث.

قبل اعتقاله كان ليث يعمل مع والده في مجال المقاولات، بعد أن كان طاهيا رئيسيا "شيف" في أحد مطاعم رام الله، وتشير الأم إلى أن "الطهي مهنته المحببة، وكنا ننتظر بشغف أن يجري العملية ويتماثل للشفاء، ويستعيد صحته، ويحقق حلم مشروع المطعم المتنقل".

لكن العائلة باتت تدرك أن حلم ليث بالمطعم بات صعبا، لأن الإصابة أفقدته حاستي الشم والتذوق اللتين تعتبران من أساسيات المهنة.