فلسطين المحتلة – خاص قدس الإخبارية: ليست المرة الأولى التي تعلن فيها السلطة الفلسطينية تجميد الاتفاقيات الموقعة مع كيان الاحتلال، بما فيها اتفاقية أوسلو، ولا يستبعد الكثيرون أنها ستكون كالحالات السابقة مجرد فقاعة إعلامية تهدف لامتصاص الغضب الشعبي. ولن تحقق ما يطمح له الفلسطينيون بأن يكون التجميد خطوة أولى نحو إلغاء كافة الاتفاقيات وصولاً للانفكاك من الاحتلال على كافة المستويات.
ورغم أن السلطة الفلسطينية أعلنت مرات عدة تجميد التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع كيان الاحتلال، ولم تلتزم مرة بذلك، وسرعان ما عادت لعلاقاتها السياسية والاقتصادية والتنسيق الأمني. إلا الأحزاب الفلسطينية سارعت في التثمين على هذه الخطوة ومباركتها، واعتبارها "خطوة في الطريق الصحيح"، كما علقت حركة حماس في بيان لها، أن "القرار يتوازى مع متطلبات المرحلة الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية، وتصحيح لمسارات خاطئة لطالما حرفت المسار السياسي الفلسطيني، وأوصلت القضية الفلسطينية إلى هذه المرحلة الصعبة".
وأضافت: "ما يتطلع إليه شعبنا هو إجراءات عملية حقيقية عاجلة تترجم هذه القرارات إلى أفعال، وفي إطار برنامج عملي". وهو ما أكدت عليه أيضاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الجمعة، إلا أنها اعتبرتها خطوة "غير كافية ومطلوب استكمالها بالانسحاب الكامل من اتفاق أوسلو، ومن كافة الالتزامات التي ترتبت عليه". وطالبت الترجمة الفورية لقرار وقف العمل بالاتفاقيات، وعلى ضرورة الدعوة العاجلة للجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير من أجل معالجة شامله للوضع الداخلي الفلسطيني.
إعلان السلطة الفلسطينية تجميد التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع كيان الاحتلال جاء على لسان رئيسها في اجتماع عقدته اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير في مدينة رام الله. دون الإشارة إلى كيفية تنفيذ هذا القرار الذي كان يصدر عن المجلس الوطني في كل جلسة كان يعقدها. ولم ينفذ منه شيئاً حتى الآن.
ويأتي هذا الإعلان رداً من السلطة الفلسطينية على هدم الاحتلال عشرة مباني في حي وادي الحمص جنوبي القدس المحتلة، كما أكدت. كما يأتي تزامناً مع الغضب الشعبي الذي تشهده المخيمات الفلسطينية رفضاً لقانون العمل اللبناني، والانتقادات التي يوجهها الفلسطينيون للسلطة بسبب تجاهلها هذا الحراك وعدم إسنادها له بتدخلات سياسية مع الحكومة اللبنانية لصالح اللاجئين الفلسطينيين.
ما يطرح اليوم تساؤلاً واضحاً: هل تبحث السلطة الفلسطينية عن شرعيتها الشعبية المفقودة من خلال إعلان تجميد التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع كيان الاحتلال؟ كيف ومتى يكون الانسحاب الحقيقي من الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال؟
يقول الكاتب خالد بركات لـ قدس الإخبارية، إن "تصريحات عباس حول تشكيل لجنة تدرس وقف العمل بالاتفاقيات مع العدو الصهيوني هي مُجرد فقاعات عقيمة وفارغة لا قيمة سياسية لها، ولا يأخذها أحد على محمل الجد". ويؤكد على أن هدفها امتصاص غضب الشارع في فلسطين المحتلة والشتات "خاصة بعد وضوح مشروع التصفية وتسخين عجلة التطبيع وما ارتكبه العدوّ مؤخرًا بمجزرة البيوت في القدس المحتلة".
ويأتي هذا الإعلان في محاولة من السلطة الفلسطينية لكسب الشرعية من الشعب الفلسطيني الذي لم يشارك أصلاً في التوقيع على هذه الاتفاقيات، ولم تستفتى أرائه حولها، يعلق بركات، "هذه الاتفاقيات كلها باطلة وغير شرعية، جرى توقيعها من وراء ظهر الشعب الفلسطيني وهي اتفاقيات تُلزم فقط من وقعّها ولا تلزم شعبنا وخاصة اتفاق اوسلو الخياني الكارثي وكل الالتزامات والملاحق الأمنية والاقتصادية التي كانت ربحا صافيا للأثرياء من وكلاء الاحتلال".
وأضاف، "هذه الاتفاقيات لم يُقرّها الشعب الفلسطيني في مؤسسات وطنية وتشريعية مُنتخبة ولم يُستفت حولها، بالتالي فهي لا تمثله.. عباس لم يحترم وثيقة الأسرى والوفاق الوطني ولا يحترم كل الاتفاقيات الوطنية الموقعة بينما يتمسك باتفاقيات غير شرعية باطلة مع العدو الصهيوني ويشكل اللجنة تلو اللجنة لإهدار المزيد من الوقت والجهد".
ويرى بركات أن الشرعية الحقيقة لا تحصل عليها السلطة الفلسطينية من الشعب إلا من خلال الانتخابات وعقد مجلس وطني فلسطيني في الخارج والالتزام بالاتفاقيات الوطنية، والانتصار للحقوق الفلسطينية ووقف التطبيع، "من يريد مواجهة امريكا واسرائيل ومستنقع البحرين لا يواصل الاوهام والعبث، بل يسعى الى تحصين جبهته الداخلية أولاً ويحقق الوحدة الوطنية بالأفعال وليس بالأقوال".
الاحتلال لم يستقبل إعلان عباس تجميد الاتفاقيات "كتهديد"، فأكدت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن إعلان عباس ليس بالجديد ولن يلتزم به كما يجري دائما. وهو ما كتبه موقع "ولاه" المقرب من جيش الاحتلال، على لسان مراسله أمير بوخبوط، "مرة أخرى تهديدات غير مجدية لوقف التنسيق الأمني".
المحلل السياسي عبد الستار القاسم لـ قدس الإخبارية، بين إعلان السلطة الفلسطينية هو مجرد تجميد وإيقاف العمل بالاتفاقيات وليس انسحاب أو إلغاء، ما يؤكد نيتها العودة إلى الالتزام بها في أي وقت، "هذا يعني أن محمود عباس ما زال يؤمن بهذه الاتفاقيات ولكن لا يريد تنفيذ محتواها حالياً، إلا أنه لديه الاستعداد للعودة إليها والالتزام بها".
وأضاف القاسم إن كيان الاحتلال لا يلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية والتي في ذات الوقت لا تلتزمه مثلاً بإقامة الدولة أو تجميد الاستيطان أو المحافظة على القدس، "نحن نكذب على شعبنا بالترويج أن الاحتلال لا يلتزم بالاتفاقيات، فهذه الاتفاقيات لم تلزمه أصلا بشيء... ففي اتفاقية أوسلو بند واضح يؤكد على أن الأمن الإجمالي بيد إسرائيل ما يجيز لها التدخل في أي مكان بغض النظر عن التقسيمات التي فرضتها الاتفاقية".
ولفت القاسم إلى أن عباس لوح مرات عدة أنه لن يلتزم بالاتفاقيات الموقعة مع كيان الاحتلال، "في كل مرة تلتزم السلطة بهذه الاتفاقيات وإسرائيل لا تلتزم بها.. عباس لم يكن مرة صادق مع الشعب الفلسطيني بهذه الإعلانات التي كررها عدة مرات، ولذلك علينا أخذ كلامه بحذر، وخاصة أنه خدعنا، ويمكن أن يخدعنا مجدداً".
وعن مدى قدرة السلطة الفلسطينية الانفكاك من علاقاتها بكيان الاحتلال، علق القاسم أن السلطة الفلسطينية ربطت نفسها سياسياً واقتصادياً وثقافياً مع "إسرائيل" ولا تستطيع الفكاك من هذه العلاقات بسهولة اليوم. "إعلان عباس يعني أنه علينا الانتقال من حالة إلى حالة أخرى، ما يعني أن أساليب وأدوات وأشخاص الحالة الأولى لا يصلحون للحالة الجديدة، ما يعني وجود بناء سياسي واقتصادي وثقافي وأمني جديد من أجل خلق بيئة جديدة لتغير الحال الفلسطيني، وهو الذي لم يحصل في الحقيقة".
ويؤيد القاسم تجميد التزام السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات الموقعة مع كيان الاحتلال، إذا كانت خطوة ومقدمة لما يلبي الطموح الفلسطينية، "أطمح لما هو أكثر من ذلك.. ولكن ما دام الطاقم الموجود الآن من أهل أوسلو لن يتمكن عباس من الخروج من الوضع السابق للوضع الجديد".
وأكد على أن الانتقال لحالة سياسية جديدة تلبي الطموح الفلسطينية تتطلب الحصول على الشرعية الفلسطينية على عدة مستويات، "الرئيس الفلسطيني هو غير شرعي ويستولي على السلطة، كما أصبحت كل منظمة التحرير غير شرعية فكل مجالسها تخالف لوائحها الداخلية، وفقدت شرعيتها عندما ألغت الميثاق الفلسطيني".