الخليل-خاص قُدس الإخبارية: ما يزال الشاب اللاجئ شامخ الطيطي (26 عامًا)، الذي هجر جده من قرية عراق المنشية قضاء مدينة غزة، يواظب على حفظ وصايا جده وحكاياته عنها، ليحولها بريشته وألوانه إلى لوحات فنية تشقّ طريقها من زقاق المخيم الذي لم تستطع كل محاولات الاحتلال تركيعه، أو أن تنسي أطفاله جمال بلادهم وجناتها.
بدأ الطيطي موهبته في الرسم منذ نعومة أظفاره، وتصاعدت رغبته في تنمية موهبته بعد تعرض أشقائه الواحد تلو الآخر للاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لتُضحي وصايا الشهداء وتضحيات الأسرى، "ثالوثه المقدس" مع حلمه وسعيه في العودة إلى عراق المنشية، فكانت أولى رسوماته قريته.
ويقول الطيطي: "أول لوحة قمت برسمها هي شوارع قريتي عراق المنشية، بعد استماع مستفيض لقصص رواها جدي لنا، كنت أتخيل شوارع البلدة وطبيعة الحياة فيها، ورغد عيشهم، وقمتُ بتحويلها إلى لوحة قادرة على إبقاء سلاح العودة ملازمًا لنا".
وأضاف لـ "قُدس الإخبارية": "اقتحمت قوات الاحتلال منزلنا لاعتقال شقيقي عبد القادر، أذكر أنني كنت في سن الثانية عشر من عمري، وحين لم يستطع جندي الاحتلال إنزال لوحة عراق المنشية التي رسمتها وعلقتها والدتي على جدار مدخل بيتنا، قام بتمزيقها بسلاحه، فشعرت حينها أن رسمتي استفزته، فكان عليّ لزاماً أن استمر بالرسم".
وخلال مرحلة تعليمه في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في مخيم العروب، عزّز الطيطي من حضوره بالرسم، وعكس واقع طفولته وألعاب أطفال المخيم، والمزاريب والحجارة التي تنهمر على خوذ الجنود وحوّلها إلى لوحات فنية، وكرمته إدارة مدرسته على تفوقه وبراعة أنامله بالرسم عديد المرات.
واعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الشاب الطيطي وهو على مقاعد دراسته في كلية فلسطين التقنية العروب آنذاك، ليتوقف حلمه بدراسة الصحافة والإعلام مؤقتا، ليلتقي بشقيقيه علاء وضياء في معتقل النقب الصحراوي، لـ 23 يومًا قبل أن يتم نقله إلى سجن نفحة الصحراوي.
وخلال فترة اعتقاله عام ،2013 قام برسم سجن "عوفر" كتعبير عن واقع سجون الاحتلال والأسرى في داخله، وتم قمعه بما يسمى "الساقاف" ونقله من سجن إلى آخر كل شهر.
وخلال فترة اعتقاله لدى قوات الاحتلال التي استمرت ثلاث سنوات، طوّر الطيطي من موهبته في الرسم، وانتقل ليرسم ملامح الشهداء والأسرى القدامى والمحكومين بالمؤبد، ويهديهم لوحاته لتبقى روحه معلقة بهم، ويكاد لا يخلو أي مهرجان أو وقفة تضامنية مع الأسرى إلا ويكون أول الحاضرين، صارخاً ومطالباً بحريتهم.
ويستوحي الطيطي أفكار رسوماته من واقع الحياة النضالية لشعبه، ويقف عند صور الشهداء وأطفالهم مطولاً، ويوثقهم وهم يمضون إلى مجدهم الأبدي، كما تستوقفه صور عناق الأطفال المودعين لآبائهم الذاهبين رغماً عنهم إلى معتقلات الاحتلال وسجونه الظالمة.
ولا يُخفي الطيطي شغفه بالمشي في زقاق المخيم وحاراته للبحث عن قصة يرسمها قبل أن يخلد لنومه أو تشق شمس الصباح التي تتأخر بالوصول إلى بيته نظراً لإحاطته بالأبنية العمودية التي يمتاز بها بسبب تلاشي الأراضي المخصصة للبناء، وهو ما يدفع بسكان المخيم للبناء بشكل طولي.
كما يحاول تنظيم معرض لرسوماته في جامعته العروب خلال الفصل الدراسي الحالي، علّه يجد مؤسسة تُعنى بالاحتفاظ بملامح الشهداء وصور الحياة اليومية لأهالي المخيم، وأن يعرف زملاؤه وضيوفه بموهبته، وبمدى أهمية الرسم في ظل استهداف الاحتلال الواضح لكافة مناحي حياة شعبه.
وينشر رسوماته عبر منصات التواصل الاجتماعي، ويساعده العديد من اصدقائه الجزائريين في الترويج لها وطباعتها وتعليقها في الجامعات الجزائرية، التي يحلم بإكمال تعليمه فيها.
غادرنا الطيطي ذو الملامح السمراء الأصيلة، هو يراقب أطفال حارته القريبة من الصندقة (مركز توزيع المؤن على أهالي المخيم)، ربما يجد في مراقبتهم لقوات الاحتلال المنشورين على مدخل مخيمه قصة للوحة جديدة عنوانها لم يكتب بعد، ويتمنى أن يكون انتهاء عصر الاحتلال وإعلان النفير العام لعودة اللاجئين وحرية بلاده قريبًا