لا يخلو تصريح للرئيس عباس ولقيادات السلطة الفلسطينية من عبارة أن حركة حماس تمرر صفقة القرن وتتآمر على المشروع الوطني، ورافق ذلك اتهام مباشر من عباس للحركة وللتيار الإصلاحي بأنهم جواسيس وخونة، في لغة جديدة من طرفه ضد حركة حماس.
لماذا يتهم الرئيس وفريقه حركة حماس بتمرير صفقة القرن..؟ ما هي السيناريوهات المحتملة لتفسير سبب الاتهام...؟
كأن هناك تعميما لجميع قادة السلطة حول اتهام حماس بأنها تنفذ صفقة القرن، وهو ما لا يمكن أن يكون مصادفةً، أو بريئاً، وعليه أطرح ثلاثة سيناريوهات لتفسير هذا الاتهام ودوافع عباس وفريقه، وأترك للقارئ تحكيم عقله وترجيح أحد هذه السيناريوهات، حتى لا يبقى العقل الفلسطيني متلقيا دون تفكير أو تحليل للأحداث السياسية.
السيناريو الأول: رغبة عباس بتمرير الصفقة دون تحمل نتائجها على المستوى الوطني والشخصي.
اتهام حماس بأنها تنفذ صفقة القرن وتكرار ذلك في كل التصريحات والخطابات من عباس وفريقه يدفع البعض لطرح تساؤل: هل من الممكن أن يكون عباس يتبنى صفقة القرن ويعمل على تنفيذها، ولكنه لا يريد أن يتحمل المسئولية التاريخية والوطنية، وعليه يحاول أن يرسخ لدى الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي والدولي بأن حركة حماس هي من تنفذ الصفقة، عبر إقامة دويلة في قطاع غزة.
هناك ما يدعم هذا السيناريو، منها:
1.العقوبات المفروضة على قطاع غزة وتضييق الخناق عليه من خلال قطع الرواتب، وصناعة الأزمات، كل ذلك يدفع الطرف الذي يحكم قطاع غزة للبحث في تحسين واقع الحياة للغزيين، فتلقى لهم الجزرة الأمريكية التي تعزز من حالة انفصال قطاع غزة.
2.من يريد وحدة الوطن يعمل على عدم التمييز بين أبنائه بالمحافظات الجنوبية والشمالية، في إطار الراتب والرتب وغيرها من الحقوق التي كفلها قانون الخدمة المدنية والعسكرية.
3.من يريد استعادة قطاع غزة وعودتها للشرعية كما يدعي، يعمل على توحيد حركة فتح، ويدعم موازناتها لتكون قادرة على دعم وتعزيز صمود المواطنين، فتزداد شعبية الحركة وتصبح قادرة على العطاء والمنافسة.
4.حل المجلس التشريعي، وأصغر طفل فلسطيني يدرك أن (إسرائيل) لن تسمح بانتخابات بالقدس، وبذلك لن تجرى الانتخابات التشريعية، وسيتم اعتماد المجلس المركزي كبرلمان للدولة وهو ما ينظر إليه البعض في هذا التوقيت بأنه خطوة نحو الكونفدرالية بين الضفة الغربية وبين الأردن، وحتى يتم ذلك لابد من التخلص من قطاع غزة.
5.نظرة عباس وفريقه لقطاع غزة، وأزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى سلاح المقاومة.
6.عدم قيادة السلطة لحراك شعبي كبير ومؤثر يوم 14/5/2018م أثناء نقل السفارة الأمريكية للقدس، كما حصل في قطاع غزة.
7.إعلان عباس وعلى الهواء مباشرة قبوله لصفقة العصر وذلك خلال لقائه بترامب يوم 20/9/2017م.
هناك أيضاً ما يضعف هذا السيناريو:
1.حالة التوتر في العلاقة بين السلطة الفلسطينية وبين الإدارة الأمريكية وما رافقها من تصريحات وخطوات من الطرفين على الأرض.
2.ليس من السهل تمرير مشروع الكونفدرالية مع الأردن كونه يهدد مستقبل المملكة، وقد أعلنت المملكة بشكل واضح وصريح رفضها لهذا الخيار.
3.صفقة القرن تستهدف بالدرجة الأولى الضفة الغربية والقدس وعليه فإن المتضرر الأكبر من ذلك هو عباس وفريقه.
السيناريو الثاني: امتلاك عباس لمعلومات بأن حركة حماس توافق على صفقة القرن.
قد يكون هذا السيناريو محتملاً، وأن أطراف دولية أبرقت لعباس بمعلومات حول تلك المسألة، ولكن هل تلك المعلومات حقيقية...؟ هذا هو السؤال الجوهري، فهل من الممكن البناء على معلومات من أطراف دولية أو حتى إقليمية، دون البحث في ما يجري على الأرض...؟ ما هي المؤشرات التي تدعم قبول حماس بصفقة القرن، والتي سوف نبحثها خلال هذا السيناريو، ولكن قبل ذلك ينبغي التركيز في مسألة بالغة الأهمية في طبيعة المعلومات وإدارتها من قبل كافة الأطراف، فالثابت لدى أغلب الدول ولدى جماعات المصالح بقاء حالة الانقسام، وعليه قد تقدم وجبات معلوماتية بشكل يومي تهدف لتحقيق هذا الهدف.
ما يدعم هذا السيناريو:
1.إصرار عباس على تكرار الاتهام لحركة حماس بأنها تقف خلف تمرير صفقة القرن واتهامه لقياداتها بأنهم خونة وجواسيس.
2.التفاهمات بين حماس والفصائل في قطاع غزة و(إسرائيل) عبر قطر ومصر والأمم المتحدة دون موافقة عباس، تعزز لدى الرئيس بأن ما يجري مؤامرة على عباس وعلى القضية الفلسطينية.
ما يضعف هذا السيناريو:
1.إجراءات عباس تجاه قطاع غزة (العقوبات)، والتي تضيق على الغزيين فتدفعهم نحو القبول بما هو أقل من صفقة القرن.
2.إضعاف حركة فتح في قطاع غزة من خلال ضعف واضح في مخصصاتها المالية، مقابل المخصصات والموازنات المالية لخصومها من حركة حماس أو التيار الإصلاحي.
3.تمسك حماس بالمقاومة بكافة أشكالها، ونجاحها في بناء علاقات وطنية مع أغلب الفصائل الفلسطينية وقدرتها على توظيف قدراتها العسكرية والشعبية في تحقيق التفاهمات التي من شأنها أن تخفف من حالة الحصار على قطاع غزة.
السيناريو الثالث: اتهامات تندرج في إطار المناكفات السياسية.
سيناريو مرجح بقوة، فمنذ الانقسام في يونيو/2007م والمناكفات السياسية بين حركتي فتح وحماس لم تتوقف، وقد تندرج تلك الاتهامات ضمن هذا السياق، وبذلك يريد الرئيس عباس عبر هذه الاتهامات أن يربك حسابات حماس ويضعها في دائرة الدفاع عن نفسها، فتنكفئ على ذاتها وبدل أن تدعم الانتفاضة في الضفة الغربية، تنشغل في الدفاع عن نفسها، وابعاد تهمة الخيانة.
ما يدعم هذا السيناريو:
1.السياق التاريخي لحالة الانقسام وما رافقها من تصريحات واتهامات تدعم ذلك.
2.خشية السلطة من قدرة حركة حماس على دعم وتحريك انتفاضة مسلحة بالضفة الغربية قد تقوض سلطتها، وعليه تحاول أن تؤثر سلباً على صورة حماس بالوعي الجمعي العربي والإسلامي.
3.فشل المشروع السياسي لعباس قد يدفعه لصناعة مشاريع وهمية أقل من أوسلو يتهم خصومه بأنهم يقفون خلفها فيرفع سقف التوقعات لأنصاره.
ما يضعف هذا السيناريو:
1.الحراك الأمريكي في ملف صفقة القرن، وتطبيق بعض البنود (القدس - الأونروا) على الأرض.
2.حديث الأطراف الإقليمية والدولية عن الصفقة.
الخلاصة: صفقة القرن لم تعلن بعد، ولا أعتقد أنها ستعلن لأنها بدأت بالفعل تنفذ على الأرض، وما أخشاه أن تمرر كل بنود الصفقة ونحن نتهم بعضنا بعضا، ودون أن ندري نشارك بقصد أو دون قصد في تمرير تلك الصفقة، فبقاء الانقسام والعقوبات على القطاع، وسوء الإدارة كلها أسباب تسهل من تمرير الصفقة دون أن تستأذننا.