لم يُعر كثير من الكتّاب والصحافيين، وحتى الفصائل والقوى والشخصيات، الخلافات بين الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين من جهة والرئيس محمود عباس وحركة "فتح" من جهة آخرى، أي اهتمام يُذكر.
هذه الخلافات، التي فجرها إعفاء عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عضو المكتب السياسي لـ"الديموقراطية" تيسير خالد من رئاسة دائرة شؤون المغتربين في اللجنة التنفيذية، كشفت عدم ديموقراطية النظام السياسي الفلسطيني، والأخطر من ذلك تفريغ منظمة التحرير من محتواها كائتلاف وطني ديموقراطي، يقوم على الشراكة والتوافق بين مكوناتها.
لقد تحولت المنظمة، وفي مقدمها لجنتها التنفيذية، خلال العقدين الأخيرين، الى أداة في يد رئيس اللجنة، وتحولت في ظل اتفاق أوسلو، والمرحلة السياسية التي تلته، الى تابع للسلطة الفلسطينية، التي باتت تحدد هيكل وشكل ومضامين المنظمة الكفاحية والمالية والثقافية وغيرها، على رغم أنها الأصل الذي أوجد الفرع.
واللافت أنه بعد انتخاب اللجنة الجديدة، تم إلغاء دوائر مهمة فيها واستحداث دوائر جديدة أقل أهمية، وتفرد الرئيس عباس واستئثاره وفريقه بأهم دوائرها، وفرض رأيه على الأخرين من خلال اصدار مراسيم رئاسية، في خطوات تناقض تقاليد الشراكة والائتلاف والتوافق الراسخة في المنظمة، فإنه أصبح بالإمكان القول إن اللجنة أصبحت ذات لون واحد، حتى وإن كان هناك فصائل آخرى مختلفة ألوانها.
اليوم بعد كل ما يجري في اللجنة، وما سيجري بعد يومين في جلسة المجلس المركزي من تفرد في القرار، وتكرار واستنساخ للبيانات والمواقف السياسية من دون أي تنفيذ، وما يجري مع "الديموقراطية" يؤكد من جديد أن مقاطعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين اجتماعات المجلس الوطني الأخير، الذي عقد في مدينة رام الله نهاية نيسان (ابريل) مطلع آيار (مايو) 2018، ومقاطعة جلسة المجلس المركزي المقبل، محقة ومشروعة.
لو عدنا قليلا الى الوراء، لوجدنا أن "الديموقراطية" أعلنت عن مشاركتها في جلسة المجلس الوطني قبل يوم واحد من انعقاده، وكانت هناك مواقف داخل مكتبها السياسي تطالب بالمقاطعة، إلا أن جاء قرار المشاركة بأغلبية ضئيلة جدا.
وأعتقد لو أن "الديموقراطية" كانت تعلم ما يخبئه لها الرئيس عباس ومهندس المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية عزام الأحمد لقررت عدم المشاركة، أسوة بالجبهة الشعبية.
مرة آخرى، أعتقد أن كل ما جرى ويجري حتى الأن أفقد المنظمة صيغتها وطابعها الأهم كائتلاف تشاركي وطني كفاحي ديموقراطي، فالهيمنة والتفرد والاقصاء هي ما يميزها اليوم.
كل ذلك، يعيد طرح السؤال الجوهري: ما جدوى البقاء في المجلسين واللجنة، إن كان وجودك صوريا أو ديكورا ليس له أي تأثير سوى إيهام أعضائها والشعب الفلسطيني والعالم أنها منظمة ديموقراطية تحتكم لقواعد العملية الديموقراطية.
هذا السؤال ليس موجها لـ"الديموقراطية" فقط، بل أيضا للاتحاد الديموقراطي الفلسطيني "فدا"، وحزب الشعب، والمبادرة الوطنية.
هذه الفصائل الأربعةن ومعها "الشعبية"، تمثل الشيء الكثير في المنظمة ولجنتها التنفيذية وللشعب الفلسطيني، وهي قادرة في حال وحدت مواقفها وتبنت برنامجا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا ثقافيا وديموقراطيا واحدا أن تفرض رأيها وشروطها داخل المجلسين واللجنة التنفيذية.
أعتقد أنه آن الأوان لأن تلتقط الفصائل الأربعة اللحظة التاريخية الراهنة، التي قد لا تتكرر إلا بعد حين وحين، وتتخذ قرارا موحدا بمقاطعة جلسة المجلس المركزي التي ستعقد في 15 آب (أغسطس) 2018، اليوم قبل الغد، كخطوة صغيرة وأولية على طريق توحيد مواقف اليسار الفلسطيني في وجه التفرد والاستبداد.
إن الشعب الفلسطيني وقواه الحية ونخبه ينتظرون من فصائل اليسار الأربعة الكثير، فلا تخذلوهم، إنها فرصتكم، ومعكم "الشعبية" كي ترمموا، ولو قليلا، من الثقة المهدورة بينكم وبين الناس، فلا تجعلوا الناس يقولون بملء أفواههم أنكم تفضلون المقاعد الوثيرة والامتيازات ومصالحكم الشخصية على مصلحة الوطن والمواطن.
اتفقوا وافرضوا رأيكم وموقفكم الأن الأن وليس غدا.