القدس المحتلة - قدس الإخبارية: "أنا فلسطينية مقدسية دوميّة وأفتخر بذلك، يطلقون على عشيرتي لقب النَوَر والغجر، وهذا يجرحنا ويؤذينا". بهذه الكلمات عبّرت أمّون سليم (42 عاما) للجزيرة نت عن نفسها وهوية عشيرتها التي تجذرت في مدينة القدس منذ أكثر من 500 عام، فهي من عشيرة "الدوم" التي جاءت مع جيش صلاح الدين الأيوبي إلى القدس لخبرتها في صناعة أدوات الحرب وحدوات الخيول، لكنها باتت تعاني من ويلات الاحتلال والعنصرية.
تنحدر أصول عشيرة الدوم من الهند وقد هاجرت قبل 3000 عام وتفرقت في شرق الدنيا وغربها نحو أوروبا ومصر والعراق وإيران وبلاد الشام، لكن تركيز أفرادها الأقل اليوم بات في فلسطين، حيث يوجد في مدينة القدس نحو 3000 نسمة، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة بنسبة أكبر. وتقول أمّون سليم إنه لا توجد إحصاءات دقيقة لأعداد عشيرتها منذ ثمانينيات القرن الماضي.
لغة خاصة
يعتنق الدوم في بلاد الشام وفلسطين الإسلام ويحتفظ كبارهم بلغة "الدومري" الخاصة بهم والتي يتهددها الانقراض بسبب إهمالها وانحصارها في الجيل القديم الذي يسعى جاهدا للحفاظ على تاريخه وموروثه، فقد اشتهر الدوم قديما بأنهم باعة متجولون، وبامتهانهم للحدادة وصناعة أدوات الحرب وأدوات الطعام والأسنان المستعارة المعدنية، كما عُرف رجالهم بالاهتمام بكمال أجسامهم وقوتها، ونساؤهم بالرقص والغناء التراثي وحياكة الأثواب التقليدية ذات الألوان المبهجة.
وتسبب احتلال القدس عام 1967م بتهجير العديد من الدوميين إلى خارج القدس وفلسطين، بالإضافة إلى بناء الجدار العازل مما قلّص أعدادهم في القدس. كما ذاق الدوميون مرارة الكأس كباقي أهل المدينة، فلم تستثنهم تضييقات الاحتلال من قتل وأسر وهدم للبيوت.
تقول أمّون سليم إن بيت شقيقها محمد كان أول البيوت التي هُدمت بعد احتلال البلدة القديمة عام 1967، كما ساندت عشيرتها الثوّار الفلسطينيين منذ الاحتلال البريطاني، وقدمت العديد من الشهداء آخرهم الشهيد مصطفى النمر ووالدته سهام النمر في هبّة القدس عام 2015.
من جهتها تقول خضرة سليم (54 عاما)، وهي شقيقة أمّون، إنها ولدت في البلدة القديمة بالقدس داخل عائلة مكوّنة من ثمانية أفراد، فقد ماتت والدتها وهي في سن صغيرة وتفرغ والدها وجدتاها لرعايتهم.
وقضت خضرة ذكرياتها في أزقة طريق برج اللقلق وحارة باب حطة كباقي أفراد عشيرة الدوم في القدس حيث يتركز وجودهم في البلدة القديمة امتدادا من باب الأسباط وحارة باب حطة حتى برج اللقلق في ما يُعرف بحارة "النَوَر"، إضافة إلى تركزهم في بلدة العيسوية ومخيم شعفاط ضمن عائلات أبرزها النمر والبوعراني وسليم.
ليست الأمور دائما على ما يرام، فأمّون تشكو مما وصفتها معاملة عنصرية داخل المجتمعات التي انضمت إليها ومنها المجتمع الفلسطيني، وتمتعض من استمرار ذلك حتى اليوم داخل المجتمع المقدسي في المدارس والوظائف والمعاملة اليومية.
مركز الدومري يقدم العديد من الخدمات المجانية لأفراد عشيرة الدوم منها الصفوف التعليمية للأطفال (الجزيرة)
ممارسات عنصرية
وتضيف "أشعر بالغربة أثناء مروري في الأزقة التي عشت فيها لسنين، أنا من الفتيات اللاتي تعرضن لعنصرية طاقم التدريس في المدرسة".
هذه العنصرية أدت إلى ارتفاع نسب التسرب من المدارس بين أبناء العشيرة ومعاناتهم من الفقر جراء عدم توفر الوظائف، حسب المواطنة المقدسية التي اعتبرت أن التمييز في الوظائف يبرز داخل المؤسسات الحكومية الفلسطينية بالقدس، حيث تعلم السلطة الوطنية الفلسطينية بوجود العشيرة والتهميش الذي تتعرض له، لكنها لا تقدم أي دعم أو اهتمام لها.
تحاول أمّون سليم النهوض بأحوال عشيرتها في القدس، حيث أسست مركز الدومري عام 2000م كجمعية خيرية تعنى بشؤون الدوم واندماجهم في المجتمع.
ويقدم المركز، في بلدة شعفاط، الخدمات المجانية لأفراد العشيرة، ابتداء من الدورات المهنية في الخياطة والطبخ والتجميل للنساء، والصفوف التعليمية بعد المدرسة وأنشطة الترفيه التربوية للأطفال. كما تهوى تصميم الملابس وأدوات الزينة التراثية التي تصنعها نساء العشيرة لتباع لاحقا إحياء لتراث عشيرة الدوم وتمكينا لنسائه.
المصدر : الجزيرة