شبكة قدس الإخبارية

عائلةُ حمارشة... الطريق معبّدة بالمقاومـة

مريم شواهنة

جنين- خاص قُدس الإخبارية: "15 عامًا مرّت عليّ دون أن أقضي مع نجلي الصغير عاملًا كاملًا بسبب اعتقالاتي المتكررة، والآن بدأ الاحتلال يلاحق أبنائي بالاعتقالات أيضًا"، يقول الأسير المحرر عدنان حمارشة، من جنين شمال الضفة المحتلة.

ففي السابع من تشرين أول الماضي، داهمت قوات الاحتلال منزل العائلة، مستهدفة أصغر أفرادها (أنس)، بعدما فتشوا المنزل وعاثوا فيه خرابًا بطريقةٍ وحشية لا مثيل لها، بحسب والده الذي قال "قيدوه، وعصبوا عينيه وزجّوه أرضًا وحمّلوه في جيبهم العسكري، وهددونا بتصفيته".

وقال والده عدنان لـ"قُدس الإخبارية"، "ظروف التحقيق في الجلمة صعبة جدًا على شخصٍ كبير فكيف تكون لطفل بعمر السابعة عشر؟!، مضيفًا "يقشعر بدني كلما تخيلت أنس متواجدًا في المركز الذي تم التحقيق فيه معي ووالدته قبل سنتين تقريباً، ونعرف بالتفصيل الممل ماذا يعني التواجد هناك!"، مضيفًا "بعد أيام من اعتقال أنس، اعتقل الاحتلال شقيقه الأكبر عمر، على حاجزٍ طيار قرب بلدة يعبد قضاء جنين".

في السادس من شباط الحالي، أُصدرت محكمة الاحتلال لائحتي اتهام بحق الأخوين الأسيرين أنس وعمر حمارشة، كانت تهمة الطفل المريض أنس، تفجير سيارة مستوطن وإصابة من فيها، أما عمر (26 عاماً)، فتنسب إليه سلطات الاحتلال، إطلاق النار على جيبٍ عسكري للاحتلال ومحاولة قتل جنود صهاينة.

وعقّب حمارشة، على اتهام الاحتلال لنجليه بأعمالٍ استهدفت الاحتلال، بالقول "نحمد الله على أن أنس وعمر أرعبوا الاحتلال، ونحن سعيدون حتى بهذه التهم الملفقة والسخيفة، بدليل أن أنس مثلاً لا يستطيع المشي بسرعة وقطع 30 كيلومتر ذهابًا وإيابًا للمغتصبة القريبة من يعبد وتفجير سيارة فيها والعودة بسرعة فائقة بحيث لم يُلاحظ أو يُقبض عليه!"، فيما قالت والدتهم الأسيرة المحررة ريم حمارشة، معقبة على لائحتي الاتهام، إن "هذه التهم باطلة كليًا، ودعواتي أن يحفظ الله عمر وأنس في رعايته، ويبقون غيظًا للاحتلال"

التحقيق والسجن: المرّ بعينه!

شُكلت محكمةٌ بثلاثة قضاة، لمقاضاة الطفل المريض، يعقّب والده "هذا يعني أن الحكم لن يكون أقل من سبع سنوات"، أما عمر فيحاكم على محاولة قتله لجنود صهاينة، وإطلاق نار على جيباتٍ عسكرية، وهو ما أنكره عمر بشكلٍ مباشر خلال التحقيق وفي جلسات المحكمة، بحسب عائلته.

وفي تفاصيل المحكمة، يوضح عدنان، "جاءوا بالمستوطن سائق السيارة المتهم أنس بتفجيرها إلى المحكمة، وألقى بشهادته أنه تم تفجير سيارته وأُصيب هو وأبنائه وزوجته"، مضيفًا "استغرب من سخافة مسرحية محكمة الاحتلال الإسرائيلية التي تقاضي طفلاً كسيحاً لا يستطيع المشي بسهولة بتهمة اختراق مستوطنة وتفجير سيارة فيها والعودة.

"ليس هذا فقط، فالاحتلال يتهم أنس أيضاً بقيامه بأعمال عدوانية منذ سنوات، تنوعت بين إلقاء حجارة، ومواجهات"، وحسب لائحة الاتهام فإن أنس كلّل "أعماله العدوانية" بتفجير سيارة مستوطن"، يوضح والده.

32 يومًا كاملة، خضع خلالهم الطفل أنس للتحقيق، تناوب عليه أكثر من محقق وبطريقة غير قانونية، إذ يشترط أن يكون المحامي موجودًا أثناء التحقيق مع طفل أو بتواجد أحد ذويه، إلا أنه تم منع المحامي من التواصل مع أنس، إضافة إلى إخضاعه لعزل انفرادي، وتعرضه للضرب المبرح، ومنعه من النوم، وإخضاعه لظروف تحقيق قاسية وقاهرة ومهينة.

ونقلًا عن أنس وشهادته لمحاميه لاحقًا، فإنّه جرى التحقيق معه ويداه مكبلتان للخلف والبصاق يملأ فمه، وهو يرتجف"، مضيفًا "بعد الانتهاء من التحقيق معه نقلوه إلى سجن مجدو الاحتلالي، وهو أبشع السجون التي تمارس فيها أشكال الاستفزاز والابتزاز، وفي معتقلات للأشبال تفتقد أدنى مقومات الحياة".

والده الذي اعتقل لأكثر من ثلاثين مرة، قال "مكانٍ يعاقب فيه الطفل الذي يصحو فزعًا من نومه، ويصرخ بعزلٍ انفرادي، بين جدران يقال فيها للطفل المريض الذي يتأوه ‘شيكت‘، في هذا المكان يوجد أنس!

وأشار حمارشة، إلى أن رجالًا كبار خرجوا من العزل الانفرادي يعانون أمراضًا نفسية، متسائلًا عن تأثير العزل الانفرادي على نفسية طفل، مضيفًا "علينا أن نعرف أن أنس يقبع في سجنٍ يساوم فيه الأشبال على التعامل مع الشاباك شريطة علاجهم".

أما عُمر فقضى رحلة طويلةً بين مراكز التحقيق امتدت إلى (40يومًا) امتزجت بصنوف من العذاب، فمن الجلمة إلى عسقلان، ومنها إلى "بتاح تكفا،" ثم مجدداً إلى عسقلان، وأخيرًا عودةٌ إلى الجلمة، حيث واجه المحققون عمر باعتراف يؤكد التهم الموجهة إليه، إلا أنَّ عمر استمر في إنكاره لها.

بعد اعتقاله بعشرين يومًا عاد جيش الاحتلال مجددًا لإخبار والده أن عمر يرفض الاعتراف بالتهم الموجهة إليه ويمتنع عن ذكر اسمه للمحققين، فردّ عليهم: "عمر بيعملش هيك لأنه بدوش يعترف، كل القصة إنه عمر هيك طبعه بيحبش يحكي!".

أنقذوا أنس!

 يعاني الطفل أنس حمارشة من مرض نادر يدعي" بيرثيز"، وهو مرض نادر يصيب أعلى رأس عظم الفخذ ويؤدي إلى شلل جزئي أو كلي، حين يصل الطفل عمر الثامنة عشر، وذكر والده أن أحد الأشبال الذين مع أنس في الأسر أخبر أهله حين زاروه أن أنس يتألم في كثير من الليالي!

في الحادي عشر من شباط الحالي، أبلغ الصليب الأحمر العائلة بنقل أنس إلى مستشفى سجن الرملة دون تفاصيل عن حالته الصحية، وأبلغوا العائلة بإلغاء الزيارة التي كانت مقررة له في اليوم التالي بسبب زيارة أنس للمشفى وعدم تواجده في مكان الزيارة، بحسب والدته.

 وكانت العائلة قد ناشدت الجهات الحقوقية والقانونية للتدخل لإطلاق سراح ابنها ليتسنى لها استكمال علاجه وتدارك حالته قبل أن تسوء أكثر، محملةً إدارة مستشفى سجن الرملة مسؤولية أي مكروه يحدث له.

من جهته، نفى الناطق الإعلامي باسم نادي الأسير، عبد الله الزغاري،  توفر أي مقومات صحية وطبية لطبيعة العلاج في مستشفى سجن الرملة، عدا عن أن معظم الأسرى يتم إعادتهم للسجون دون إتمام علاجهم المفترض إضافة إلى انتهاج الاحتلال سياسة فرض محكوميات عالية للأطفال تتراوح من سنوات إلى أشهر إضافة للغرامات المالية.

وأوضح، أن "90% من الأطفال الذين يتم اعتقالهم أكدوا تعرضهم إلى أشكال مختلفة من التعذيب خلال تواجدهم في مراكز التحقيق، كما تعرض 60% منهم للضرب المبرح على أجسادهم ومنعوا من تلقي العلاج، حيث يتعامل الاحتلال مع الأطفال المعتقلين على أنهم كبار بالغين في محاولة لقتل روح هؤلاء الأطفال".

في غيابهما...نحتاجهما

"15عاماً مرّت دون أن أقضي مع أنس سنة كاملة، بسبب اعتقالاتي المتكررة" يقول والده الأسير المحرر عدنان حمارشة، موضحًا أن "نجله الصغير كان يسمع عنه في التلفاز والأخبار وروايات الأصدقاء والناس، أكثر مما كان يراه في الحقيقة، حتى أصبحت قدوته".

"أنا زلمتك‘"، كان يظل أنس يردد هذه الكلمة على والده، طامحًا أن يصبح مثله، بحسب والده الذي قال "أنس أيضًا يحلم كأي فلسطيني بالحرية، يحلم أن يذهب للمدرسة دون أن يوقفه الجنود ويرمون أغراضه من حقيبته".

الجدير ذكره، أن والدهم عدنان خضع عام 2014، لتحقيقٍ عسكري أًصيب خلاله بجلطة دماغية أدت إلى إصابته بالشلل، "دخلت على قدمَيّ، وخرجت مقعداً، أنا أحتاج أنس، ليس فقط لأضحك وألعب معه، بل ليسندني عندما أنزل من درج المنزل، ويجر لي كرسيَّ إلى السيارة، كما أحتاج عمر، فكل كلمات الأرض لا يمكن أن تعبر عنه، عمر يفتقد إذا غاب، جميعنا في البيت نحتاج عمر وأنس".