ثمة سؤال كبير يطرح: لماذا الطفلات والفتيات والنسوة الفلسطينيات يذهبن إلى أقصى درجات التحدي والمواجهة والإشتباك المباشر مع جيش الاحتلال وشرطته ووحدات مستعربيه؟أليس هو الاحتلال الذي يغتال كل شيء فينا كفلسطنيين؟ أليس هو من يغتال أحلامنا.. مستقبلنا.. طفولتنا.. شبابنا.. أمهاتنا.. أبائنا..
أليس هو المجتمع الدولي الظالم الذي يناصر الجلاد على الضحية، ويتنكر لكل حقوق شعبنا بالعيش في حرية كرامة، عندما يحاصر شعب بأكمله في قطاع غزة ويحرم من كل مقومات الحياة الأساسية، وأبسطها الكهرباء والماء النظيف والخدمات الصحية.. ويقف العالم صامتا ومتفرجاً، بل داعماً للمحتل، معتبراً ما يقوم به من قتل وتدمير وقضاء على كل مقومات الحياة لشعب اعزل دفاعاً عن النفس.
ما المطلوب من الفلسطيني وهو يستمع إلى الحمراء المتصهينة مندوبة الولايات المتحدة نيكي هايلي، وهي تقول بأن القدس عاصمة لكيان الاحتلال منذ آلاف السنين ولا عاصمة لهم غيرها.. وتصل بها الوقاحة حد القول أن نقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى القدس، هو تنفيذاً لرغبة الشعب الأمريكي...
نقل سفارة بلادها الى مدينة محتلة وفق القانون الدولي،ولكن بمنطق البلطجة ومنطق رجل الكابوي الأمريكي، تريد أن تشرعن الاحتلال والإستيطان.. والمطلوب من الفلسطيني أن يستقبل هذا القرار العنصري "بالزغاريد" و"الورود " و"الرياحين".. يا غلاة المستعمرين، وأنت ايتها الحمراء المتصهينة، ضحية هذا النظام الرأسمالي المعولم، الذي "يسلع" البشر، فهو من قضى على أبناء شعبك من الهنود الحمر.
ما المطلوب من عمر حجاجلة في قرية الولجة.. الذي وضعت له بوابة على باب بيته، ليحشر في سجن يحتاج للخروج منه أو قدوم زائر إلى بيته إلى تنسيق مسبق، أو حتى لو مرض هو أو أحد من أفراد عائلته، يحتاج إلى إذن للخروج، وربما لا سمح الله يتوفى المريض قبل الموافقة على السماح له بالخروج، كذلك عليه أن يبلغ بخروجه ودخوله .. وساعات قدوم الزوار وخروجهم، ناهيك عن كاميرات منصوبة تعد وتحصي عليه أنفاسه؟..المطلوب منه ان "يشكر" الاحتلال على هذه " النعمة" في العرف الأمريكي، عرف البلطجة والزعرنة والقوة!
لماذا ذهبت الطفلة عهد التميمي إلى الإشتباك المباشر مع المحتل؟ ولماذا تخلت عن طفولتها؟ ولماذا السيدتان رفقة القواسمي وريحانه عودة هبتا للاشتباك المباشر مع جنود الإحتلال وشرطته في باب العامود، رغم أنهن يجلسن في وقفة احتجاجية سلمية؟ أليس هو الاحتلال الذي حاولت شرطته أن تعتدي على طفلة صغيرة؟.. أليس هن من يدافعن عن شرف أمة أغلب قياداتها مصابة بـ"الخصي" والعري الدائمين.. أمة لا تنتصر لذاتها ولأرضها ولعرضها ولقدسها ومقدساتها لا تستحق الحياة.
على الجبهة الأخرى هناك جيش من الإعلاميات يشارك في فضح وتعرية إجراءات الاحتلال القمعية والإذلالية بحق شعبنا وأهلنا في المدينة، ودائماً لهبالمرصاد يوثقن تعدياته وإنتهاكاته، فهناك فتيات يمتشقن الكاميرا و"المايك" و"الإستاند" والصورة والكلمة، لكي يوصلن الرسالة ويكشفن الحقيقة، فكما كانت سجاجيد الصلوات في هبة باب الإسباط، سلاحا مقاوماً، فكاميرات صحفياتنا المناضلات، وما يجرينه من لقاءات ومقابلات، تسهم في فضح وتعرية الاحتلال، وكشف زيف ديمقراطيته وممارساته القمعية والمتعارضة والمتناقضة مع القانون الدولي والإنساني.
هن أيضاً لم يسلمن من قمع الاحتلال وتنكيله بهن، إذ أكثر من مرة تعرضن للضرب والتكسير والإعتداء الجسدي المباشر عليهن، ومنعن من تغطية الأحداث، وكن يتعرضن للمطاردة في الشوارع وكسرت كاميراتهن وصودرت أفلامهن التي توثق بالصورة والصوت إنتهاكات الإحتلال وتعدياته، ولعل هؤلاء الصحفيات حفرن اسماؤهن في الميدان، وتعرضن للمخاطر والإعتداءات عليهن أكثر من مرة، ونحن نذكر هنا منهن نجوان السمري، هناء محاميد، كريستين ريناوي، نوال حجازي، دانا أبو شمسه، لواء أبو ارميله، ياسمين اسعد، ديالا جويحان، داليا النمري، آمال مرار، زينه صندوقه، ريناد الشرباتي، سماح الدويك، منى القواسمه، ميساء أبو غزالة، هبه أصلان، ليالي عيد، لمى غوشه، ايمان العمور، وراما يوسف، فاطمة البكري، آيه الخطيب، روزا الزرو، وقائمة طويلة أخرى، ولعلنا جميعاً نستذكر الدور الكبير لماجداتنا من نساء وفتيات في قضية هبة الأقصى، فلن يكتفين بالمشاركة الفعالة وتصدر الأحداث، بل كن يشاركن في قضايا التموين وتأمين الأكل والطعام لجيش كبير من المعتصمين على مدار أربعة عشر يوماً.
المأساة والمصيبة أن هذا الاحتلال الذي يقتل إنسانيتنا، ويحرم أطفالنا من طفولتهم، إذ يجري اغتيالها يومياً تحت سمع وبصر ما يسمى بالعالم الحر،هذا العالم، ماذا يريد من طفل أو طفلة عائدة من المدرسة، لكي ي/تجد، بيتها قد تحول الى كومة حجارة، وانبرت الدموع تنهمر من عيونهم بحثا عن ذكرياتهم والعابهم.. أو عندما تاتي بلدوزرات الاحتلال وجرافاته وجنوده المدججين بالسلاح وكلابهم البوليسية، لهدم مدرسة من الصفيح يتلقون تعليمهم فيها، ومن ثم يعمل على طردهم وتهجيرهم!
احتلال لا يريد أن يجعلنا ننعم بالحرية والإستقلال، ويصر على منطق البلطجة والقوة، وترفع كل قياداته من أقصى يمينها إلى من يسمون أنفسهم باليسار الصهيوني شعار الفلسطيني الذي لا يخضع بالقوة يخضع بالمزيد منها، ويتابكون على السلام، وأن نضال شعبنا المشروع حتى في أشكاله السلمية، هو شكل من أشكال الإرهاب..
أي وقاحة هذا وهذا "التغول" و"التوحش" على شعبنا ما كان له أن يكون؟.. ليس فقط بسبب الإنحياز التاريخي الأمريكي والإستعماري الغربي إلى جانب الإحتلال، والذي انتقل إلى المشاركة المباشرة في العدوان على شعبنا، في مرحلة الإدارة الأمريكية المتطرفة، بل لوجود قيادات عربية وفلسطينية، لا تعبر عن أماني وطموحات وهموم شعوبها، ولا تنتصر لقضايا الأمة، بل هي مغرقة في الذل والمهانة والخضوع للإرادة الأجنبية، مستدخلة لثقافة "الإستنعاج" والهزيمة، كارهة لثقافة المقاومة والمقاومين، وكأنها تستمرىء الذل والمهانة.
وفي مثل هذه الحالة العربية المنهارة بشكل غير مسبوق، والواصلة حد مشاركة القوى المعتدية في عدوانها على أمتنا وشعوبنا وقضايانا، لا بد أن تخرج النساء والفتيات والطفلات الماجدات للدفاع عن شرف هذه الأمة.