للشهداء فنٌ خاص في تلاوة آيات العشق الأبدي بينهم وبين الأرض فلسطين، لا يمكن فهم هذا الفن إلا بلغة واحدة، وهي لغة الدم المقدس، وهكذا كتب الشهيد باسل مصطفى إبراهيم من بلدة عناتا قصة حياته البطولية.
كنت قد كتبت مقالا سابقا عن اعتقال الشهيد باسل، وأذكر حينها اني كتبت "الحلقة الأخيرة في قصة باسل" معتقدا حينها أن اعتقاله بعد مطاردة استمرت أكثر من عام نهاية القصة، حتى جاء نبأ استشهاد الباسل اليوم، لتكتمل فصول حكاية باسل من الأسر وحتى الشهادة.
ولد الشهيد باسل مصطفى ابراهيم بتاريخ 4/12/1988 لعائلة صابرة مكافحة في بلدة عناتا شمال شرق القدس المحتلة، تربى وترعرع فيها على حب فلسطين وعشق الثورة والكفاح وكان ذلك جليا واضحا في حياته التي تنوعت بين المطاردة والأسر والمواجهات.
بدأت فصول حكاية باسل مع إضراب الأسرى عام 2012 حيث اندلعت مواجهات أسبوعية في بلدة عناتا وكان باسل أحد أبرز المشاركين فيها وكان اسما على مسمى فقد كان باسلا في المواجهة لا يخشى الاحتلال ويواجه دوما من نقطة الصفر، حتى تم اعتقاله وصدر حكمٌ بالسجن عليه لمدة 10 شهور قضاها في معتقل عوفر.
وفي عام 2014 وبعد أن قام المستوطنون بحرق الطفل الشهيد محمد أبو خضير في شعفاط وقتله، حينها انتفض الشباب الفلسطيني غضبا في وجه الاحتلال كان باسل من أوئل من شارك في مواجهات الغضب في بلدة عناتا؛ فقد اندلعت المواجهات على مدى أيام دون توقف، وقام حينها الشهيد باسل بإلقاء عدد من الزجاجات الحارقة تجاه معسكر جيش الاحتلال فلاحقه الاحتلال وأصبح مطلوبا له.
وعلى إثر ذلك حاولت قوات الاحتلال اعتقال باسل أكثر من 16 مرة خلال عام كامل، وفشلت في ذلك، فاستعانت بقوات المستعربين لتحقيق هدفها وقام أحد جنود الاحتلال في حينه بإطلاق النار تجاه باسل فأصابه في قدمه إلا أنه تمكن من الهرب أيضا.
وبتاريخ 9/11/2015 تمكنت قوة خاصة من المستعربين تنكرت على هيئة عمال بناء، من اعتقال باسل من أمام منزله، ليصدر حكما بالسجن عليه لمدة 7 شهور، وعندما حان موعد الإفراج عنه أصدر الاحتلال أمرا بالاعتقال الإداري لمدة 6 شهور إضافية ليصبح مجموع ما مكثه باسل في سجون الاحتلال اكثر من 23 شهرا.
خرج شهيدنا الباسل باسل من سجون الاحتلال بعد قضاء 13 شهرا في سجون الاحتلال، لم تضعف عزيمته ولم تهبط معنوياته، بل على العكس فقد شهد له إخوانه ومحبوه بالبسالة والشجاعة في كل المواقف التي شهدوها معه في مواجهة الاحتلال، ولم يكن يتأخر يوما عندما تناديه فلسطين، حتى جاء موعد الاستشهاد.
بعد اندلاع انتفاضة العاصمة واستمرار المواجهات مع الاحتلال لأسبوعين خرج شهيدنا باسل من منزله متوجها لنقطة المواجهات في بلدة عناتا، وهي مدخل البلدة الذي يفصل بينه وبين مستوطنة عناتوت شارع واحد، حيث كمن لسيارة أحد المستوطنين وقام بتحطيمها وبداخلها مستوطن صهيوني مما أثار غيظ جنود الاحتلال الذين كانوا في المكان حيث ترصدوا لباسل، حتى أصابوه برصاصة غادرة، لم يجرؤوا على مواجهته بها، فأطلقوها في ظهره، ليرتقي شهيدا مرويا بدمه الطاهر أرض بلاده سائرا على طريق من سبقوه، سابقا لمن سيلحقه من الشهداء على ذات الطريق.
ارتقى باسل اليوم وفقدت عناتا أحد أبنائها البررة ولكنها ازدانت بأنوار أضاءها الشهيد بدمائه مما زادها فخرا وعزا وتشريفا ليلتحق باسل برفيقه محمود عليان الذي سبقه قبل عامين في بداية انتفاضة القدس كاتبين بدمائهم على سطور العز والمجد اسم فلسطين والقدس.