نسمع صوت الجدران وهي تبنى، الخطابات السياسية الحانقة، القيم والمبادىء الإنسانية تحترق في نفس البقاع التي تعهدت قبل 70عامًا بألا تهجير ولا فقدان للأمل لضحايا الحرب.
في السنة الماضية، في كل دقيقة نزح 24 شخصًا من ديارهم بسبب صراع أو عنف أو اضطهاد. هجوم آخر بالأسلحة الكيماوية في سوريا، هيجان طالبان في أفغانستان، اختطاف فتيات من مدارسهن شمال نيجيريا من طرف بوكو حرام.
اللاجئون، هؤلاء ليسوا أشخاصًا رحلوا إلى بلد آخر ليحظوا بحياة كريمة. لقد فروا بحياتهم. وإنها لمأساة حقيقية ألا يتمكن أشهر لاجىء في العالم من التحدث إليكم اليوم، كأن أجسادهم بلا حياة.
آلان الكردي ذي الخمس سنوات، وهو لاجىء سوري لفظ أنفاسه الأخيرة في البحر الأبيض المتوسط سنة 2015. توفي إلى جانبه 370 آخرين ممن كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا. في السنة التي تلتها أي في عام 2016، توفي 5000 شخص.
لكن الأمل بحياة كريمة لم يفت بالنسبة لملايين آخرين، يدعون ألا تنتهي أيامهم هنا في مخيمات اللاجئين تلك، ولكن ما الضمانات التي يمتلكونها الآن حيال مستقبلهم؟ وما الذي يحمله لهم؟ في أي مكان؟ حسنًا، أين هو في الأصل؟، ولو سألنا لماذا تم تهجيرهم من الأساس، كيف يعيشون، ما المساعدة التي يحتاجونها، وما هي مسؤوليتنا؟!
لن تأتنا الإجابة إلا عندما نؤمن حقًا بهذا، أن السؤال الأكبر في القرن 21 يتعلق بواجبنا تجاه الغرباء، لكن الخطر الأكبر أننا نغوص في انقساماتنا ولا يوجد أي امتحان أفضل من هذا في كيفية تعاملنا مع اللاجئين.
إن وجودهم في البقعة التي نقف عليها الآن، يعني أنهم يعبرون الحدود في اتجاه بلد جار. أغلبهم يعيشون في دول فقيرة نسبيًا أو ذات دخل متوسط أو ضعيف مثل لبنان. ففي لبنان، واحد من بين أربعة أشخاص يعد لاجئًا، ما يمثل ربع تعداد السكان. ويبقى اللاجئون هناك وقتًا طويلاً. متوسط مدة النزوح تصل إلى عشر سنوات، ومن يولدون في خيم اللجوء لا يعرفون معنى العودة إلى الديار بعد أن ولدوا هناك.
الآن، أسباب هذا الأمر عميقة، الدول الضعيفة التي لا تقوى على إعالة مواطنيها، نظام سياسي عالمي أضعف ما يكون منذ سنة 1945، وانقسامات بشأن المعتقدات والحكومات والانخراط في العالم الخارجي في مناطق مهمة من العالم الإسلامي.
هذه تحديات جيلية بعيدة المدى، لذلك فإن أزمة اللاجئين هي ظاهرة وليست نقطة ضباب. وهي معقدة، وحين تكون لديك مشاكل معقدة وكبيرة وضخمة وطويلة المدى، يعتقد الناس أنها ميؤوس منها.
اتهمنا جميعًا بما يسمى عولمة اللامبالاة. إنها جملة مميتة. تعني أن قلوبنا تحولت إلى حجر. لكن هناك من الناس من يريد أن يحدثوا فرقًا، لكنهم فقط لا يعلمون إن كانت هناك أي حلول للأزمة.
ولنجزم أن للمشاكل الحقيقية حلول حقيقية أيضًا، لهذا فإن اللاجئين يحتاجون للعمل في البلدان التي يعيشون فيها، والبلدان التي يعيشيون فيها تحتاج دعمًا اقتصاديًا ضخمًا.
في أوغندا سنة 2014، قاموا بدراسة 80 في المائة من اللاجئين في العاصمة كامبالا لا يحتاجون أي مساعدات إنسانية لأنهم كانوا يعملون. كان يتم دعمهم في العمل. كما أن تعليم الأطفال هو حق وليس رفاهية، حيث أنه يمكن للأطفال أن يقفوا على أرجلهم حين يتلقون الدعم الاجتماعي والعاطفي الملائم إلى جانب تعلم القراءة والحساب.
لكن الحقيقة المرة أن نصف الأطفال اللاجئين في العالم ممن هم في سن التعليم الإبتدائي لا يتلقون أي تعليم إطلاقًا. وثلاثة أرباع من هم في سن التعليم الثانوي لا يتلقون أي تعليم أيضًا.
فيما يتواجد معظم اللاجئين في المناطق الحضرية، في المدن، وليس في المخيمات. ماذا كنت سأريده أنا أو أنت لو كنا لاجئين في المدن؟
سنريد مالاً لندفع الإيجار ولنشتري الملابس. هذا هو مستقبل نظام المساعدات الإنسانية، أو جزء مهم منه. اعطوا الناس النقود لكي يتمكنوا من دعم قوة اللاجئين وستساعدون الاقتصاد المحلي. هذا محل خلاف، لكنه يستحق أن يتم النقاش عنه. فمعظم اللاجئين هم ضعفاء يحتاجون بداية جديدة وحياة جديدة في بلد جديد، بما في ذلك الغرب. الأرقام صغيرة نسبيًا، بضعة مئات من الآلاف، وليس ملايين، لكن الرمزية كبيرة جدًا.
ليس الوقت مناسب الآن لمقاطعة اللاجئين، كما تقترح إدارة ترامب. بل إنه الوقت لاحتضان ضحايا الإرهاب، وهذه التفاصيل حساسة وجيدة لأن تطرح، لأن الحقيقة هي أن اللاجئين جاؤوا من أجل إعادة الإدماج، وليس من المناسب أن نجعل كلمة لاجىء مرادفة لإرهابي.
ما يحصل حين لا يجد اللاجئون عملاً هو أنهم لا يستطيعون إدخال أولادهم إلى المدرسة، لا يحصلون على النقود، ولا يحصلون على طريقة قانونية للأمل.
الذي يحدث فعلاً هو أنهم يسلكون مسارات خطرة، فحين تنظر عن قرب لكومة من سترات النجاة التي خلفها من تمكنوا من الوصول إلى الشاطىء، سترى أن هناك سترات نجاة للأطفال تحمل اللون الأصفر، وتحذير كتب بالأسود "لا تحمي هذه السترة من الغرق".
*اللوحة للرسامة اليونانية ماريا غياناكاكي