شبكة قدس الإخبارية

خيانة حماس!

عاصم النبيه

يعتبرون تنفيذ القوانين أخونة، ونشر الفضيلة طلبنة، والتجهيز والإعداد استسلاماً، والسماح للجميع بزيارة غزة احتواءً، والانفتاح على العالم تبعية، والمنطقية السياسية تنازلاً، والتمسك بالثوابت تعنتاً سياسياً، ومنع الصواريخ التي تطلقها الفصائل الورقية محاربة للمقاومة، ورفض التنسيق الأمني تعميقاً للانقسام، والأسرار التنظيمية ارتباطاً بالماسونية.

لم تبق أي تهمة إلا ألصقوها بحماس، فمن التبعية للنظام الأمريكي أولاً ثم الروسي، مروراً بالإيراني والنظام السوري وأخيراً بقطر، أو كما يسميهم المتفلسفون "عبيد الشيخة موزة"، طبعاً لا ننسى تهمة الانقلاب وتعميق الانقسام وأخونة غزة (أو طلبنتها)، وبيع المقاومة وحماية حدود الاحتلال والتنازل عن الثوابت حتى تهمة الارتباط بالماسونية العالمية.

حماس نسفت كل هذه الاتهامات وأعلنتها صراحة أنها تملك قرارها بنفسها، وأن كل محاولات احتوائها (أو شرائها) لم تنجح; إيران مدّت حماس بالسلاح النوعي، ورغم ذلك لم تستجب حماس للضغوط الإيرانية فيما يتعلق بالثورة السورية, وأعلنت حماس صراحة تأييدها للثورة السورية، ونتيجة لذلك طُرد قادتها وحرّقت مقراتها، ولكنها ظلت رغم خسائرها واقفة مع الشعب السوري.. أليس هذا دليلاً على أن قرار حماس مستقلا والمصلحةَ الوطنية عندها أولى؟ وأن الدعم الإيراني مجرد أموال غير مشروطة لا تؤثر على القرار الحمساوي؟

قبل أيام انتقد خالد مشعل قطر على قناة الجزيرة، فإذا كانت حماس تابعة للنظام الأمريكي فلماذا تعادي "اسرائيل"؟ وإذا كانت تابعة للنظام الإيراني فلماذا تقف مع الثورة السورية؟ وإذا كانت تابعة لقطر فكيف ينتقدها مشعل من وسط الدوحة ومن على قناة الجزيرة في قطر؟

بالمناسبة، إن كثيرا ممن يشتمون قطر ويتهمونها بالخيانة، لا يكرهون قطر لذاتها، ولكنهم يكرهونها لأنها قامت بجزء من واجبها تجاه القضية الفلسطينية، ودعمت (غزة المقاوِمة)، وهم في ذات الوقت يريدون أن يواروا سوءاتِهم (أو سوءة حركة فتح من الآخِر) التي فقدت مصداقيتها أو بالأحرى فقدت كل شيء. ليس دفاعا عن قطر ولكن من الذي مرر قضية تبادل الأراضي لقطر؟ نبيل عمرو أحد قادة حركة فتح البارزين يقول: "وزير خارجية قطر لم يتطوع بموقف تبادل الأراضي على مسؤوليته، بل فعل ذلك بناء على المواقف الفلسطينية الرسمية التي وافقت على مبدأ تبادل الأراضي بالقيمة والمثل".

حماس منذ انطلاقتها قدمت إنجازات عديدة في معظم الملفات والقضايا الفلسطينية, ابتداءً من تحريك القضية وإعطائها زخماً سياسياً وبُعداً إقليمياً ودولياً (بعدما باعتها فتح في أوسلو)، وانتهاء بصفقة تبادل الأسرى وقرار قصف "تل أبيب" الذي لم تستطع كل الأنظمة العربية اتخاذه (من ضمنهم حزب الله طبعاً), ومن ثم يأتيك أحدُهم فيقول "باعوا المقاومة وحماس تحمي حدود الاحتلال" عجبك؟

حماس فازت في انتخابات 2006 بأغلبية ساحقة، ثم يتهمونها بالانقلاب على الشرعية؟! وتنادي بإنهاء الانقسام وتسعى للوحدة في الوقت الذي تقوم فيه سلطة فتح باعتقال كوادرها وقادتها في الضفة الغربية، وفي ظل استمرار التنسيق الأمني وتبادل الأدوار في القضاء على أي بذرة مقاومة في الضفة المحتلة.. ولا ننسى ارتهان مواقف فتح بالرغبة الأمريكية التي ترفض المصالحة تماماً وتقدم الورق الأخضر (الدولار) على مصالحة حماس!!

قضت حماس على القبلية وسطوة العائلات الكبيرة، وبسطت الأمن والأمان، وحاربت فرق الموت التي نشرتها فتح, وسمحت لكل من يعارضها أن يتحدث بكل وسائل الإعلام المتاحة، وهي أيضا تسعى لإعطاء أكبر مساحة من الحرية المضبوطة بالقانون.. لكن ورغم ذلك فهناك الكثير من الأبواق الجاهزة التي تتحدث (وهي من غزة) عن حالة قمعية لم يروا لها مثيلاً حسب تعبيرهم! وهم جاهزون لتحريف الإنجازات أولاً بأول، فإن هي حاربت العملاء قالوا: تعدٍ على حقوق الإنسان، وإن حاسبت متهماً بعمل إجرامي قالوا: تعدٍ على الحريات، وإن دعت للالتزام بالفضيلة قالوا: محاولاتُ طلبنة وبناءُ إمارة حماستان. ألا تعقلون؟

ما يحدث مع حماس يعتبر نموذجاً لما يحدث على الساحة العربية، وخاصة في دول الربيع العربي من موضة الهجوم على الحركات الإسلامية التي تعمل بصمت وتقدم الإنجازات, في الوقت الذي يحاول فيه الفلول والتيارات الخاسرة في الثورات العربية تحجيمَ وتزوير هذه الإنجازات. الرد الأقوى على هذا الهجوم هو الواقع الذي يثبت تقدم الإسلاميين وتراجُع كلَّ من يعاديهم.