غزّة- خاص قُدس الإخبارية: يشكّل تلاحق المواسم بالنسبة لأهالي قطاع غزة عبئًا إضافيًا يضاف إلى قائمة الأعباء التي يعاني منها، فبين الأعياد الدينية تطل عليهم بداية العام الدراسي والتي تحتاج إلى توفير مستلزمات مدرسية وجامعية لآلاف الطلاب في الوقت التي تضرب فيه القطاع قائمة طويلة من الأزمات التي لا حصر لها.
وتبدو الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها آلاف السكان لا سيما في ظل تقليص الرواتب وعدم تقاضي موظفي حكومة غزة السابقة لرواتبهم بشكل كامل منذ عدة سنوات، حاضرة بقوة هذا العام إذ يتناسب افتتاح العام الدراسي مع حلول عيد الأضحى وهو ما يجعل العبء الملقى على أرباب هذه الأسر مضاعفًا.
قصص من الواقعأم أحمد القدرة وهي ربّة منزل، تقول: "مرّت العديد من السنوات ونحن نعاني أوضاعًا اقتصادية صعبة، لكن مثل هذه السنة لم يمر علينا، فأنا حتى اللحظة لم أجلب مستلزمات المدرسة لأطفالي الثلاثة فما يحصل عليه زوجي من معاش لا يكفي لقوت يومنا لمدة أسبوع لا أكثر"، مبينة أنها عملت على استصلاح الزي المدرسي القديم الذي كان يرتديه ابنها الأكبر، لأخيه الأصغر منه سنًا حتى توفر ثمن زي مدرسي أخر.
وأضافت في حديثها لـ"قُدس الاخبارية"، وهي أم لأطفال في الصف الخامس والثالث الابتدائيين وآخر في رياض الأطفال، "زوجي موظف سلطة وما خُصم عليه كفيل أن يجعلنا في وضع متردي، مواسم متلاحقة أرهقت جيوبنا وأصبحنا غير قادرين على أن نوفر احتياجات أطفالنا البسيطة، بالإضافة إلى الرسوم المدرسية التي تنتظرنا وعيد الأضحى الذي سيكون خال من البهجة تمامًا"
أما معاذ حسين الذي بدت على ملامحه قسوة الحياة بعد أن أنهك التفكير جسده، "أصبح التفكر بكيفية جلب المال لجلب مستلزماتنا البسيطة أمر متعب"، مضيفًا "لديّ سبعة أطفال جميعهم بالمدارس ما بين المرحلة الابتدائية والاعدادية والثانوية وجميعهم بحاجة إلى زي مدرسي وأحذية ومستلزمات أخرى، لكنني لا أملك فعًا المال الكافي لجلب ما يريدون".
وأوضح لـ"قُدس الإخبارية"، أنه أتت عليه فترات يفكر فيها أن لا يرسلهم الى المدارس خشية من المقبل، وهي الرسوم الدراسية والتي تشكل عبئا متراكما إضافة إلى قدوم عيد الأضحى"، مضيفًا "لا أعتقد أن هناك أحد يشابهنا في معيشتنا، فجميع الأطفال يكونون في قمة سعادتهم لاستقبال مدارسهم أو موسم العيد الا أطفال غزة مجبرين على التعايش والتكيف مع ظروف عائلاتهم القاسية وحمل هموم باتت أكبر من سنهم".
لا حلول مقترحةبدوره قال الخبير الاقتصادي ماهر الطباع: "إن قطاع غزة تعرض لثلاثة حروب في أقل من خمس سنوات، مما أدى إلى تفاقم العديد من الأزمات على رأسها أزمة البطالة، فاليوم نتحدث عن معدلات البطالة في قطاع غزة والتي تجاوزت 44%، فهناك أكثر من 216 ألف عاطل من العمل بالإضافة لارتفاع معدلات الفقر والفقر المدقع والتي تجاوزت 65% بسبب انعدام الأمن الغذائي في قطاع غزة.
وأوضح لـ"قُدس الإخبارية"، أن هناك 50% أي ما يقارب أكثر من مليون شخص في قطاع غزة يتلقون مساعدات من الأونروا والمؤسسات الاغاثية العاملة، مضيفًا "هناك ضعف للقدرة الشرائية في ظل خصومات رواتب موظفي السلطة الوطنية والتي وصلت من 30 إلى 50% وفي ظل ما يزيد عن 40 ألف موظف في غزة يتلقون دفعات من رواتبهم خاصة في موسم المناسبات المتلاحقة والتي تتضاعف فيها المصاريف".
وأشار إلى أن هذه الخصومات جاءت قبل شهر رمضان وعيد الفطر والآن بداية الموسم الدراسي وما يتطلبه من استعداد وتجهيز للزي المدرسي والقرطاسية وكذلك الآلاف من خريجي الثانوية العامة والتحاقهم بالجامعات إضافة لعيد الأضحى، كل تلك المناسبات تستنزف موارد الموظفين شبه المعدومة أصلًا.
وأكد الطباع أن الأوضاع تستمر كما هي، وذلك بسب تأقلم الشعب المستمر على كل الظروف، وفيما يتعلق بالحلول المقترحة أوضح الطباع أن الحلول الترقيعية لا تصلح معه فهو بحاجة إلى حل جذري والذي يكمن في إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة الوطنية على أرض الواقع وإنهاء الحصار وإدخال كافة الاحتياجات من السلع والبضائع وذلك هو السبيل الأوحد وغير ذلك ستبقى الأزمات كما هي والقادم سيكون أسوأ.
وفيما يتعلق بأوضاع السوق، قال الطباع إن ركود السوق بات واضحًا، حيث بدا من الملاحظ أن المكتبات تقوم لأول مرّة بعمل عروض أسعار وإعلانات في الشوارع على الرغم من أنه موسم وليس بحاجة للاعلانات، فذلك يدل على الوضع الكارثي الذي عايشه الناس بغزّة، حيث نخشى أن نشهد عزوف الكثير من العائلات عن إرسال أطفالها إلى المدارس لعدم قدرتهم على دفع الرسوم الدراسية.
مناسبات والتزاماتمن جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر معين رجب، إن طبيعة الحياة تشهد مواسم مختلفة من وقت لأخر ولكل موسم التزاماته ومتطلباته، مضيفًا "على الشخص أن يكون جاهزًا لكل تلك المواسم من حيث إعداد متطلباتها في توفير السيولة النقدية اللازمة لها، حتى يستطيع التعايش مع تلك المناسبات".
وأضاف لـ"قُدس الإخبارية"، أن "أقرب مثال على ذلك الوضع الحالي الذي يشهد مناسبتين حاليا وهي موسم المدارس وقدوم عيد الأضحى، حيث لدينا قرابة مليون تلميذ يلتحقون بالمدارس مع بداية العام الدراسي الجديد مما يلزم توفير احتياجاتهم المختلفة من الزي المدرسي والأحذية والحقائب وغير ذلك، غير متناسيين الرسوم الدراسية والجامعية بالإضافة إلى رسوم رياض الأطفال"، موضحًا أن المستجدات الاقتصادية الحالية التي يعيشها القطاع خاصة بعد الخصم الكبير في رواتبهم أدت الى تدهور واضح وملحوظ فهم يمثلون شريحة كبيرة في المجتمع حيث أصبح دخلهم بالكاد يكفي متطلبات القوت اليومي.
وتابع أنه "إذا أضفنا إلى ذلك المناسبة الأخرى والتي لا تبعد عنا سوى أيام وهي قدوم "عيد الأضحى" والذي يحتاج فيها المواطن أيضا لمتطلبات للوفاء باحتياجات تلك المناسبة الدينية، نحن نعيش على أبواب كارثة حقيقية والحائل دون وقوعها التدابير الربانية، فالأسر التي لا تملك دخل لتلبية احتياجاتها تعيش حالة من الصراع النفسي والأسرى والصراع مع الأخرين".
ولفت إلى أن كل تلك الظروف تنعكس على حدوث انشقاق اجتماعي وشكاوي لدى الأجهزة الأمنية واكتظاظها بأصحاب الشكاوى أو العاجزين عن السداد"، مضيفا "أيضا سينعكس على القضاء، فذلك جانب من جوانب المعيشة التي يعاصرها جزء كبير من قطاع غزة في الوقت الحاضر، فكل تلك الأمور ستنعكس على القيمة الشرائية".