في عام ١٩٩٨ قام جهاز الشاباك الصهيوني بشن حملة اعتقالات واسعة النطاق على مدار عدة أسابيع في المعتقلات والسجون الصهيونية المركزية تجاوزت 80 أسيراً غالبيتهم من سجن عسقلان المركزي (المجدل)، وكل التحقيقات تركزت في هذه الحملة على محاولة إعادة بناء تنظيم صفوف كتائب عز الدين القسام في الضفة الغربية والقدس بعد الضربات المتكررة، إلى جانب اتهامات عديدة لها علاقة بالتسليح والإمداد والتمويل والتوجيه من داخل السجون. هذه التحقيقات بالتنسيق مع السلطة نتج عنها تفكيك خلايا ومصادرة مخازن أسلحة واعتقال مئات من أعضاء وقيادات الحركة في الضفة الغربية، أحد مسارات التحقيق التي كان يجريها جهاز الشاباك بناءً على معلومات حسب رواياته تفيد بأن حركة حماس حصلت على معلومات من مردخاي ڤعنونو حساسة في مجال تصنيع أنواع من ( TNT ) شديدة الانفجار وفي مجالات عسكرية أخرى حسب اتهامات الشاباك، وكان يفترض الشاباك أن عملية التجنيد تمت في سجن عسقلان قسم ١٢ في ساحة النزهة عبر نقاط ميتة، لأن "مردخاي ڤعنونو" مسجون بالعزل الانفرادي ولا يُسمح له بالالتقاء بأي أسير، وكان يخضع للعزل المشدد والثغرة الوحيدة التي يمكن ان تكون نقطة ضعف هي نزهة (فورة) قسم 12 . الشاباك حصل خلال عملية دهم وتفتيش في مدينة الخليل على معلومات تؤكد صلة "مردخاي ڤعنونو "بالكتائب، وكان طرف خيط المعلومة إبتداءً في أقبية التحقيق وتثبت من صحتها خلال عملية التفتيش. الآن بقي حلقة حسب ادعائه ووفق معلوماته كيف تمت عملية الاتصال ؟ ومن نفذها؟ ومن هذه الزاوية والنقطة كانت فرصة اطلاعي ومعرفتي بمجريات هذا الاتهام وتسلسل حلقاته، ومحاولة الشاباك واستخبارات السجون التحقق من هذه المعلومات وبحكم عملي ممثلاً عن حركة حماس آنذاك أمام مديرية السجون في داخل سجن عسقلان، افترض الشاباك أنني أتمتع بحرية حركة أفضل من غيري، الأمر الذي يضعني أحد المتهمين فيما بقي غامضاً في هذه التهمة وجود علاقة ما بين كتائب القسام والعالم النووي "مردخاي ڤعنونو". طبعاً في هذه الأثناء كانت استخبارات السجون والأمن تجري معي حواراً هادئاً تقليدياً يتضمن استفسارات لربما تنتهي في تكوين صورة أو انطباع عن إمكانية حدوث هذا الاتصال والتواصل وكيف ومتى وبأي صورة لكن بطريقة غير مباشرة وفيها من الدهاء والمكر ما لا يوحي بأن ما يدور يستهدف في نهاية المطاف تكوين هذا الرأي وتفكيك الجانب الغامض والخفي في القصة حسب اتهامهم. وفِي أحد الليالي تم استدعائي لحضور جلسة حوار مع استخبارات السجون وعدد من رجالات الشاباك، وتضمن الحوار مخاطر اعتماد السجون رافد من روافد المقاومة وداعم لوجستي بالخبرة والتنظيم والتمويل والتوجيه، وأن مديرية السجون ستضطر إن لم تقتنع بأن حركة حماس ستنضبط بكل التفاهمات التي أرست الحركة الأسيرة مع مديرية السجون إيقاعها - عزل ما هو في داخل السجون عن ما يجري في خارج السجون - فإن مديرية السجون ستنسحب من إدارة السجون وسيتسلم إدارتها الجيش بما يترتب على ذلك من آثار سلبية وصدامات وآلام تؤذي الطرفين. وفِي سياق هذا النقاش الطويل الذي جرى تذكرت وجود" مردخاي ڤعنونو" متنزهاً على مدار عدة أيام مقابل شباك غرفة ١ في قسم١ في الغرفة التي كنت أتواجد فيها قبل انتقالي لغرفة ٧ قسم ٢ بيوم واحد في مكان الأصل انه غير معد لذلك، لكن لم أستطع أن أفهم سر هذا اللغز، خاصة ان اتهامات الشاباك التي سردتها في بداية القصة لم أكن على علم فيها بعد، لكن تأكدت أن "مردخاي ڤعنونو "هو صلب هذه الجلسة التي استغرقت من ٤ الى ٦ ساعات، ولا ينفصل وجوده متنزهاً على قطعة من الديشة خلف القسم إلا لحاجة في نفس الشاباك ومخابرات السجون لم نكن على علم فيها، بينما ونحن خارجين في الممر من قاعة اللقاءات اقترب مني مدير السجن وقال لي: "قبل أسبوعين الحلوى التي دخلت لكم من مدينة الناصرة زاد العدد عن خمسين علبة، ووفق القانون لا استطيع إعطاء أسير أكثر من علبة فيها حوالي كيلو من الحلو، وفِي المقابل لا استطيع إرجاعها ولا توزيعها على السجانين، فأنا اقترح عليك توزيعها على أسرى العزل الانفرادي، بشرط أن يأخذ منها الكل دون استثناء بمن فيهم الأسرى اليهود ورددها مراراً وتكراراً ، مرداوي الاسرى اليهود لا تمييز لدي في هذا الموضوع". وأنا أسمع وأصغي وأفكر بكل كلمة في الجلسة وما تخللها من تهديدات ووعيد وتخوفات من الشاباك مما هو قادم لتصوراته المرعبة، التي أبلغني أنها تعتمد على معلومات بأن حركة حماس بدأت تفكر في تغيير مسار دور الأسرى في الصراع وأن ذلك وصل إلى حد إدخال وسائل قتالية ومتفجرات إلى السجون.
هالة هذا الحوار وزخم هذه المعلومات وطبيعة الحضور وهمس المدير جعلني أذهب للخيار الأسلم وهو رفض المقترح مع أننا في السجون لم نقف أي موقف معادي للأسرى اليهود في أقسامنا ودائماً اخترنا استراتيجية عدو عدوي صديقي مؤقتاً في هذا الظرف الاستثنائي .
إن استخبارات السجون بتوجيه من الشاباك اعتقدت أننا سنتصل في "مردخاي ڤعنونو" عن طريق الشبّاك فسهلت اقترابه منا دون علمه وعلمنا حتى تتأكد من طريقة الاتصال وحجم الاتصال وحجم المعلومات التي وصلت، وعندما فشلت في ذلك بعدم إجراء أي اتصال قامت بعرض توزيع ما تبقى من الحلوى على الأسرى بما فيهم اليهود الأمر الذي يمنحنا فرصة لإدخال رسائل عبر هذه الحلوى نتواصل من خلالها مع من نريد خاصة أن "ڤعنونو " في مكان منفصل ويسهل تحديد الحلوى التي ستصل إليه ، لكن مع الرفض أُغلق باب هذا الملعوب وبقيت التساؤلات مفتوحة والأجوبة عنها منتظرة في قابل الأيام إذا ما كانت اتهامات الشاباك المتعلقة بتجنيد كتائب القسام ل " مردخاي ڤعنونو" صحيحة أم لا؟ *مردخاي فعنونو : خبير نووي إسرائيلي من أصل مغربي، عمل في مفاعل ديمونا السري، وبعث لصحافيين صوراً من داخل المفاعل ومعلومات عن القدرات النووية الإسرائيلية، وكان هو أول شخص يكشف السر النووي الاسرائيلي، اعتقله الموساد من روما، وتم سجنه 18 عاماً لدى الاحتلال.