شبكة قدس الإخبارية

رعاة الأغنام في غزة.. رحلات رعي تحت رصاص الاحتلال

هيئة التحرير

غزة - خاص قدس الإخبارية: في أقصى شمال وشرق قطاع غزة تتنشر التجمعات البدوية، التي يقطن سكانها في منازل متواضعة يلتف الصفيح المهترئ جوانبها، اما الأسقف فمغطية بقطع من النايلون، ويتخذ هؤلاء البدو من رعي الأغنام والماشية التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم مهنة يكتسبون من ورائها قوتهم اليومي.

وبالرغم من أن هذه المهنة لا تفي بمتطلبات الحياة القاسية، إلا أن بدو قطاع غزة متمسكون بها، ويرفضون تركها، رغم خطور مناطق الرعي بالقرب من السياج الفاصل بين أراضي قطاع غزة والأراضي المحتلة، حيث تنبت الأعشاب والحشائش والتي يعتمد عليها البدو بشكل رئيسي لنمو وتكاثر الأغنام والماشية.

مهنة لا تخلو من المخاطر

مع ساعات الصباح الأولي يخرج الشاب محمد أبو مغصيب (27 عاماً) من حيث يسكن بمنطقة الحكر شرقي مدينة دير البلح، مصطحباً معه قطيع الأغنام والجمال وبعض الطعام والشراب، باحثاً عن المراعي قاصدًا الأعشاب الخضراء ليطعم قطيعه.

ويقول أبو مغصيب لـ "قدس الاخبارية"، "المراعي هي البديل عن الأعلاف الصناعية التي يتم اطعامها للماشية، فالوضع الاقتصادي الحالي لا يمكنني من شراء الأعلاف لهذه الماشية لارتفاع ثمنها، وهذا يدفعني غالباً لإحضار حزم من العشب الأخضر بعد الإنتهاء من رعي الأغنام لاتمكن من توفير وجبة أخرى لها في فترة المساء، أو غالباً ما اتوجه للأسواق واحضر أوراق الخضار واقدمها للقطيع".

وبين أبو مغيصب، "أن مهنة الرعي لا تخلوا من المخاطر وذلك نظراً لقربها من الحدود، حيث غالباً ما يطلق الاحتلال النار علينا، ويهددنا عبر مكبرات الصوت بعدم الإقتراب من السياج، حيث تعرضت لإطلاق النار أكثر من اثنى عشر مرة أصبت خلالها مرتين في قدمي بأعيرة نارية حية وبعضها لم تصبني إنما كانت قريبة مني لإبعادي عن المنطقة".

وأشار أبو مغيصب لـ "قدس الإخبارية"، أنه تعود على هذه الاعتداءات من قبل الاحتلال، "هذه الاعتداءات لن تثنيني عن الاستمرار في رعي الاغنام، لأنها مصدر رزقي الوحيد الذي أعتاش منه ولا يمكنني التفريط به، بالرغم من أن وجهونا معلومة للاحتلال ويعلمون أننا نجري وراء قوت يومنا لنستطيع توفير بعض من متطلباتنا الأساسية".

 وأكد "أنه مع اقتراب عيد الأضحى فإنني أقوم بيع جزء من الماشية للتخفيف من أعدادها بعد تكاثرها, وهذا ما أفعله كل عام في مثل هذه الأوقات لتوفير المال لعائلتي, وتتراوح نسبة مبيعاتي من الماشية حسب الاقبال من قبل المواطنين على شراء الأضاحي واقامتهم للعقائق والنذور" .

وأوضح أبو مغصيب لـ "قدس الإخبارية"،  "قبل غروب الشمس وقبل أن يحل الظلام أعود إلى البيت برفقة قطيع الأغنام والجمال، وأدخلها الحظيرة المخصصة لها، ويتكرر المشهد نفسه في صباح اليوم التالي.

تضييقات إسرائيلية

أما المسنة صفية الحواميد (63 عاماً) من سكان عزبة بيت حانون شمالي قطاع غزة فتستيقظ مع ساعات الفجر الأولي للبحث عن بعض المراعي العشبية في يوم طويل بعد أن تقوم بحلب الأغنام والأبقار لتعود مع آخر ضوء للشمس .

وتبين خلال حديثها لمراسل "قدس الإخبارية"، "كنا سابقاً نرعى الماشية في مناطق قريبة من منازلنا، لكن مع الزحف العمراني وازدياد عدد السكان دفعنا ذلك للذهاب للأماكن الحدودية مع الاحتلال لوجود الأراضي المفتوحة والتي تتوفر فيها الأعشاب النضرة المناسبة لإطعام الأغنام والأبقار".

وأشارت الحواميد، "أنه غالباً ما نتعرض للتضييقات الإسرائيلية وإطلاق النار علينا خاصة عندما تقترب الماشية بالقرب من الجدار الفاصل، ينادي جنود الاحتلال علينا بلغة لا أفهمها غالباً ولكنني لا أهتم إلى ما يقولون، وأستمر بمراقبة الأغنام الموجودة كي لا تخرج عن القطيع وتضيع".

"لا أستطيع ترك القطيع لأي سبب كان، فهي مهنتنا الوحيدة ولا نمتلك غيرها ومصدر رزقنا الوحيد، نعتاش من بيع حليبها ولحومها وصوفها"، تقول الحواميد لـ "قدس الاخبارية" .

وتوضح الحواميد، "ننتظر بفارغ الصبر قدوم فصل الشتاء ليعمل على زيادة مساحات المراعي علي عكس فصل الصيف، والذي تقل فيه الحشائش، لأن ذلك سيمكننا من تخفيف العبء الملقى علينا من شراء الأعلاف التي تتزايد أسعارها يوما بعد يوم، ما من شأنه أن يرهق كاهلنا".

تحقيق الأمن الغذائي

المهندس الزراعي والباحث في مجال الإنتاج الحيواني يوسف الصفدي يقول لـ "قدس الإخبارية"، "الإنتاج الحيواني في قطاع غزة هو عنصر اساسي لتحقيق الأمن الغذائي خاصة من البروتين الحيواني، حيث تم إدخال سلالات من الأغنام على غرار البلدي كسلالة "العساف" وهو نتاج تهجين أغنام ألمانية مع محلية والذي يتميز بإنتاجية عالية من الحليب واللحوم".

وبين الصفدي، "أنه حتى العام 2016 فإن قطاع غزة يمتلك أكثر من 9 آلاف رأس ماعز، و55 ألف رأس من الغنم، وعدد الذين يعملون في مهنة المواشي ما يقارب 2300 مربٍ" .

وأكد الصفدي، "أن قطاع المواشي خلال حرب صيف عام 2014 تضرر بما نسبته 35% من خلال تدمير عدد كبير من الحضائر ونفوق أخرى من خلال الاستهدافات الإسرائيلية المباشرة لقطاع التربية الحيوانية من الأبقار والأغنام والعجول".

وبحسب إحصائية صادرة عن مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق التابع لمنظمة التحرير، فقد تواصلت الاعتداءات الإسرائيلية خلال الشهر الماضي على رعاة الأغنام في قطاع غزة، وأسفرت عن استشهاد مواطن وإصابة (34) آخرين بجروح مختلفة.