الخليل - خاص قدس الإخبارية: ليس الشهد في عنبها فقط، والكرم والشهامة بطبع رجالها فحسب، بل تجاوزت كل أشكال الفوقية والطبقية وتسعى بشكل مستمر للقضاء على الفقر والجوع للوصل لمجتمع خال من المحتاجين والجياع، وحافظت على إرث خليلها الأول وأبو الأنبياء إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - وحافظت على أصالة عاداتها وفخر موروثها الشعبي والاجتماعي.
وسط الخليل وعلى بعد أمتار قليلة، وعشرات الحواجز الملاصقة للمسجد الإبراهيمي، تعلو أصوات الأطفال المصطفين غير آبهين لبنادق جنود الاحتلال، ينتظرون ليظفروا بقوت يومهم، بعدما أنهكت الظروف الاقتصادية عائلاتهم.
ويشرح المكان بعض من تفاصيله من خلال حجارته الضاربة بعمر الأرض، وإعلانها الانتصار على كافة أشكال الاحتلال الذي هُزم في كل صولاته وجولاته وبقيت الخليل مدينة وحدة الحال والسؤال عما بعد الجار السابع، ومتصدية لكل محاولات التهويد المستمرة التي ترعاها سلطات الاحتلال وغلاة الاستيطان الذين يحاولون الفتك بتاريخها.
يعود تاريخ التكية إلى عهد القائد صلاح الدين الأيوبي مؤسس الدولة الأيوبية، حيث أسس التكية الإبراهيمية لتقديم الوجبات لجيوش المسلمين التي تحارب الصليبين، وامتدت فيما بعد لتقدم الوجبات لكل المحتاجين والفقراء في المحافظة كاملة وقراها وبلداتها ومخيماتها وزوار المدينة وكل من يأمها من الخارج.
يقول مدير التكية الإبراهيمية حازم مجاهد لـ قدس الإخبارية، "التكية تعمل على مدار العام، ولا تتوقف عن إعداد الوجبات إلا أيام عيدي الفطر والأضحى، حيث تقدم في الأيام العادية آلاف ربطات الخبز ووجبات الطعام، وحساء سيدنا إبراهيم، وهو عبارة عن القمح المجروش المطبوخ، ويعرف في المدينة بالدشيشة".
"تعتمد التكية خلال شهر رمضان على دعم وتبرعات تجار وأهالي الخير من مدينة الخليل، وتم حجز تقديم طعام التكية قبل نهاية شهر شعبان، حتى أن كل يوم من أيام رمضان مخصص لأحد فاعلي الخير، حيث يقوم بتغطية تكاليف ذاك اليوم كاملة".
وتقدم التكية بشكل يومي وجبات لحوالي 3000 شخص، بتكلفة تصل 15 ألف دولار لطهي اليوم الواحد، بالإضافة لمئات من ربطات الخبز وأكياس الأرز، وفي بعض الأيام يتم توزيع اللحوم غير مطبوخة، بهدف طبخها في المنازل من قبل الأمهات لرغبتهم في تناول صنف معين من الطعام.
وأكد رئيس شعبة الطهاة لؤي الخطيب لـ قدس الإخبارية، أن طهي الطعام في شهر رمضان المبارك يبدأ في الساعة السادسة صباحا، وينتهي الساعة العاشرة صباحا، ويبدأ التوزيع على قاصدي التكية، ووضع الطعام في الأوعية والأواني التي بحوزتهم، بالإضافة لإعطاء كل قاصد ربطة خبز وأحيانا يتم توزيع كيلو أرز أيضًا.
"نجد متعة خاصة في العمل، كوننا نخدم شريحة متميزة ببساطتها ورضاها بالأكل الموجود، والقناعة التي تعلو جباههم، حيث يصادف في بعض الأيام قاصدين كثر، مما يضطر بعضهم لتقاسم الطعام فيما بينهم وتوزيعه بطريقة تبعث في النفس على تعميم الخير والتعاضد الاجتماعي"، يردف الخطيب.
ومن الجدير ذكره، أن التكية تتبع من الناحية الإدارية لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وتعمل الأخيرة على تغطية النقص الذي قد تتعرض له التكية بالحصول على الطعام، ويجري العمل في التكية على توسيع زواياها، وزيادة عدد المواقف الخاصة باستلام الطعام، للتسهيل على الناس، والسرعة في الحصول على الطعام.
يذكر أن التكية تقع في البلدة القديمة بمدينة الخليل، حيث يفوق عدد الحواجز التي تفصلها وتقطع أوصالها عن 110 حاجز وجداء وبوابة إلكترونية، وفي بعض مناطقها يمنع على الأهالي الدخول والخروج من منازلهم إلا بإذن وتصريح من قبل سلطات الاحتلال.
ويعاني سكان البلدة القديمة في الخليل جراء الحصار والتضييق من أوضاع مالية سيئة، حيث يقصدون التكية الإبراهيمية للتخفيف من أوضاعهم المتردية جراء إغلاق الاحتلال لما يزيد عن 1200 محل تجاري في شارع الشهداء وغيره من الأماكن، تلبية لرغبة المستوطنين في طرد السكان الأصليين والاستيلاء على منازلهم.