لن نختلف كثيرًا إن قلنا بأن الساحة الفلسطينية بمختلف المجالات السياسية والاجتماعية والدينية والثقافية، تعيش أزمة حقيقة تهدد الوجود للقضية الفلسطينية تتمثل بالفراغ بالوسط السياسي وانعدام أية مرجعية فلسطينية متفق عليها ولو ضمنا وهي أزمة لم يسبق لها مثيل بالتاريخ الفلسطيني الحديث والسبب الرئيسي لهذه الأزمة يعود إلى حالة الانغماس والغرق غير المجدي في مشاريع التسوية ابتدأ من اتفاقيه اوسلو وأخواتها التي حولت السلطة الفلسطينية إلى شركة حراسة إسرائيلية حيث لا هم ولا غاية لهذه السلطة سوى الحفاظ على أمن الكيان ولو كان على حساب أمن واستقرار ولقمه العيش للفلسطيني المغلوب على أمره.
ليس هذا فحسب بل إن هذا الفراغ السياسي وانعدام المرجعية كان السبب الرئيسي في حالة الانقسام الحاصلة على الساحة الفلسطينية، فاليوم نلمس ونعيش حالة غير معقوله من الفرقة والانسلاخ ليس فقط بين حماس وفتح، فالشتات الفلسطيني مثلا تم التغافل والقفز عن وجوده وسلبه أي من المقومات المادية والسياسية التي كان يتمتع بها قبل وصول السيد ابو مازن لقياده السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح إضافه إلى ما لحق مخيم اليرموك من تدمير، حيث كان اليرموك بمثابة عاصمة الشتات الفلسطيني ونقطه انطلاق الفعاليات وبناء المواقف السياسية والمادية الرافضة بالمطلق لأي تسويه لا تضمن حق اللاجئ الفلسطيني بالعودة الى أرضه ورفض مشاريع التوطين و التعويضات.
وكذا أيضا فيما يتعلق بقطاع غزه المحاصر من قبل الأخوة والأشقاء قبل الأعداء، فبالنظر بعجالة لسياسات سلطة رام الله المنتهجة حيال قطاع غزة نراها ذاهبة باتجاه فصل القطاع وسلخه عن الضفة الغربية، والتي كان آخرها أزمه اقتطاع 30% عن رواتب موظفي القطاع تحت مبرر الأزمه المالية.
وأما الداخل الفلسطيني المحتل منذ عام 48 فهذه المناطق الفلسطينيه المحتلة منسيه أصلا من أجندات وحسابات السلطه الفلسطينيه، ولا نبالغ إن قلنا إنها مشطوبة من حسابات منظمة التحرير بعد أن قبلت بمشاريع التسوية الأممية وما الحالة الوطنية الحاضرة بروح ووجدان أهلنا بالداخل فهي بمجهوداتهم ونضالاتهم لوحدهم وليس لأحد من المكونات الفلسطينيه الرسيمة والفصائلية أيما فضل بها.
اما إن تكلمنا عن القدس، فالحديث يطول وسنقف حائرين من أين نبدأ بسرد الفجيعة التي تعيشها القدس جراء أزمه انعدام المرجعية القادرة على إيجاد أي برنامج وطني أو مكترثة بالقدس بعيدا عن مصالحها، فالمسجد الأقصى المبارك مثلا أصبح تدنيسه أمرا اعتياديا، والمخطاتات الصهيونية لتقسيمه على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل لم تعد تسترعي اهتمام أحد سوى المقدسيين الذي دفعوا بالعشرات من أبنائهم شهداءا وبالمئات أسرى وجرحى دفاعا عنه وفي المقابل فقد تنازلت السلطة الفلسطينية عن حق الرعاية والوصاية عن المسجد الأقصى لصالح الاردن والذي بدوره يرتبط بمعاهدة سلام وتحالف إقليمي وتعاون اقتصادي جعل منه جسرا للتطبيع مع المشرق العربي أفقد الأردن أيما موقف سوى الصراخ والعويل والاستنكار والشجب الذي أصبح حتى نادرا ما نسمعه رغم قطع الاحتلال لأشواط قياسيه في تقسيم الأقصى بل والتخطيط لهدمه.
وأما عن حرب الاحتلال على نظام التعليم الفلسطيني بالمدينة، فإلى اللحظه يتقدم الاحتلال باستراتجية ثابتة وواضحة المعالم تستهدف إسقاط العقل الفلسطيني بالقدس وحرف مفاهيم الصراع من صراع أرض محتلة إلى مجرد نضال هامشي لتحسين شروط الحياة والتعايش مع الاحتلال.
وأما عن سياسة هدم البيوت، وأزمه السكن بالقدس لتهجير المقدسيين من القدس إلى مناطق ما خارج الجدار كتوطئة لسحب هوياتهم مستقبلا، فالمأساة مستمرة بدون حلول، وأما عن تفشي المخدرات والبطالة والفقر وانتعاش فعاليات التطبيع والفساد الذي يفوق أي رقعة أخرى من الأراضي الفلسطينية الذي يدب كما السرطان بالمؤسسات الأهليه وشبه الرسمية، فالقدس بنظرهم عبارة عن دجاجة تبيض بيضا من ذهب ومن المهم بقاؤها بحالة من الفوضوية ليتسنى لهم جني المزيد من البيض.
إن كل هذه الكوارث الجاثمة على صدورنا بالقدس لن نتقي آثارها المدمرة إلا إذا ما جلسنا كفلسطينين أحرار وأصحاب موقف تحت مظلة طاهرة نتفق فيها على أسس مشتركة وجامعة وما أكثرها وخرجنا منها ببرنامج وطني شامل يضمن لنا بالحد الأدنى الحفاظ على ما تبقى لنا بمدينة القدس، وهذا لن يتحقق إذا ما بقينا كفلسطينين ننتظر من قيادة منظمة التحرير المترهلة خطوة بهذا الاتجاه كونها باتت لعبة خشبية تدار وفق منهج سياسي يتعارض مع طموحات وآمال الشعب الفلسطيني الساعي لنيل حريته والانعتاق من الاحتلال، وهذا الحل ليس صعبا إذا ما كان هنالك إرادة حقيقية للتوافق بين القوى الحية والأصيلة بالشعب الفلسطيني بالداخل والخارج على انتخاب أو التوافق على جسم قيادي يقود نضالات هذا الشعب المكافح العظيم ويلفظ من ثناياه تلك الأجسام المتطفلة التي تقتات على آلام وأوجاع فلسطين وعاصمتها المحتلة.