في مخيم الجلزون للاجئين، تدفقت النساء المتشحات بالسواد إلى منزل الشهيد الفتى محمد حطاب "ابو صالح"، وفي الداخل مجموعة أخرى منهن تجمعن حول والدته، التي ما انفكت تنادي "أبو صالح، يا زينة دار حطاب يا ابو صالح"، لكنهن لم يملكن سوى بضع كلمات من المواساة للتخفيف عن الأم مصابها، وحثها على الرضى عليه.
وفي البعيد سمعت أصوات المشيعين تقترب من المنزل شيئا فشيئا، ليضج بعدها المكان بالصيحات والهتافات، دموع كثيرة ذرفت، من يعرف محمد ومن لا يعرفه بكى على حال أمه التي بدت غير مدركة لما يدور حولها، فقد أفقدها استشهاد وحيدها صوابها، لتلحق بنعشه وتلوح له من بعيد "مع السلامة يا ابو صالح".
إلى جانب المنزل، طفلة صغيرة لا تتجاوز الـ13 من عمرها، غطى صوت نحيبها وصراخها، على أصوات المتواجدين في المكان، كانت تصرخ بملء قلبها وهي تلحق بموكب التشييع: "ولك بحبك يا حمودة، ولك بموت فيك"، كانت هذه شقيقته الصغرى نرمين.
وعلى عتبة أحد المنازل المجاورة لمنزل عائلة الشهيد، جلست والدة ليث الخالدي الذي ارتقى شهيدا قبل عامين، حضرت لمواساة والدة صديق ابنها، وراحت تتأمل جثمانه، وتوصيه بإيصال السلام إلى صديقة ليث. الذي تداول الناس على مواقع التواصل الاجتماعي صورة تجمعهما داخل إحدى زقاق المخيم.
لم تستوعب أزقة المخيم أعداد المشيعين الذين كانوا بالآلاف، ومن لم يجد منهم مكانا له على الأرض، اعتلى السطح ليشاهد الوداع الأخيرة لجثمان "أبو صالح" المحمول على أكتاف مشييّعة، بينما لم تتوقف النساء عن إطلاق الزغاريد.
روايات عدة يحكي بها أهالي مخيم الجلزون عن ظروف استشهاده، قالوا إن قوات الاحتلال اطلقت النار على أربعة شبان لدى مرورهم بجانب البرج العسكري، وآخرون قالوا إن الجنود كانوا متربصين لهم خلف الجدار، اختلفت الروايات والحقيقة واحدة، أن الجنود قتلوا محمد وأصابوا رفاقه، واحد بينهم حالته حرجة.
يدرس محمد الثانوية العامة في مدرسة الأمير حسن في بلدة بيرزيت القريبة من المخيم، عائلته كانت تنتظر بشغف نجاحه، ونيله شهادة يفرح بها قلب أبيه وأمه وشقيقتيه نسرين ونرمين، لكن الرصاصة أوقفت قلب "أبو صالح"، لينال شهادة مختلفة.