القدس المحتلة – خاص قدس الإخبارية: زاحفا على أطرافه الأربعة، جنود الاحتلال أجبروه على قطع أمتار عديدة لا يستطيع تقديرها سوى "بالطويلة"، وصولا إلى داخل سجن "هشارون".
يواصل حذيفة طه (١٦عاما) الزخف مقيدا، لا يغطي جسده سوى ملابس المشفى، والدم ينزف من كلتا قدميه، وخلفه اثنان من جنود الاحتلال يواصلان إجباره على الإسراع كلما حاول التوقف لالتقاط أنفاسه، فيما فقد القدرة على التحكم بارتجاف جسده.
مساء الرابع من كانون ثاني من عام ٢٠١٦، هواتف أشقاء حذيفة الستة لا تتوقف عن الرنين، وما أن يرفع أحدهم سماعة هاتفه، حتى يعرف المتصل بنفسه أنه أحد عناصر مخابرات الاحتلال ويستدعيهم فورا إلى التحقيق.
خبر آخر يصل العائلة سريعا، والتي ما زالت تنتظر حذيفة على العشاء، أن أحد أبنائها تم اعتقاله، يصرخ إسحاق، "لي ١٤ ابنا.. أي منهم تم اعتقاله؟".. دقائق قليلة ويتلقى خبرا جديدا: "لقد اعتقل أصغر أبنائك، وهو الآن مصاب"، ينقل له أحد أفراد العائلة.
في شارع رقم (١) قرب منطقة المصرارة وسط مدينة القدس المحتلة، كان يمشي حذيفة حينما تلقى خمس رصاصات في قدميه، انهالت عليه من بنادق أحد جنود الاحتلال قبل أن ينضم له مستوطن آخر ويواصلا إطلاق النار صوبه بعدما ادعوا محاولته تنفيذ عملية طعن فدائية، فيما حذيفة يواصل الركض لينجو من الموت.
تأكدت العائلة أن المصاب هو نجلها من مقطع فيديو نشره جيش الاحتلال، حيث يظهر حذيفة يتقلب على الأرض وقد أصيب بقدميه وهو مقيد اليدين وما زال ينزف فيما لم تقترب منه طواقم الإسعاف.
"حققوا مع أبنائي حول حذيفة، قبل أن يخبروهم أن شقيقهم مصاب ويتلقى العلاج في إحدى المشافي الإسرائيلية"، تقول والدة حذيفة لـ "قدس الإخبارية".
رفضت مخابرات الاحتلال الكشف عن مكان احتجاز حذيفة فيما انطلق أفراد العائلة إلى المشافي باحثين عنه للاطمئنان على وضعه الصحي.
يقول الوالد، "وصل أحد أشقائه مشفى "شعاري تصيدق"، وبعد محاولات عديدة وبحث مستمر، وجد حذيفة في إحدى غرف المشفى، مكبل اليدين والقدمين ويحيط به عدد من جنود الاحتلال، وما أن رأى حذيفة شقيقه، حتى رفع له علامة النصر وابتسم".
تعذيب قاس تعرض له حذيفة الذي أكد لوالديه على أن المحققين ضربوه مكان إصابته، كما استخدموا أساليب التخويف والتهديد لانتزاع الاعتراف منه، "سأله أحد المحققين إذا كان قد حقق معه، فأجابه حذيفة بالنفي، فرد المحقق، الأفضل لك أن لا اقترب منك، وإلا سأكسر قدميك"، تقول والدة حذيفة مؤكدة على أن حذيفة لم يخبرها بكافة تفاصيل التحقيق معه خوفًا من إثارة قلقها وخوفها عليه.
في اليوم الثاني على اعتقال حذيفة، عقدت محكمة الاحتلال الجلسة الأولى لمحاكمته، ليتفاجأ إسحاق بطفله وهو يدخل قاعة المحكمة بملابس المشفى، مقيدا، يرتجف من البرد، فيما الدم ما زال ينزف من قدميه.
لينقل حذيفة وقبل أن يتم علاجه إلى سجن "هشارون"، حيث ستزوره والدته للمرة الأولى وتشتكي له من خلف الزجاج المقوي وعبر خط الهاتف، من المسافة الكبيرة التي قطعتها سيرا على الأقدام والأدراج التي نزلتها وصولا إلى قاعة الزيارة.
ويبين والده أن قوات معززة من جيش الاحتلال داهمت منزلهم في بلدة كفر عقب، ليقول أحد الجنود للعائلة مستهزأ، "هذا منزل الشهيد حذيفة طه"، لافتا إلى أن جنود الاحتلال أخذوا مقاسات المنزل تمهيدا لهدمه حسبما أبلغوا العائلة التي لم تتسلم قرارا رسميا حتى الآن.
تعلق الوالدة لـ "قدس الإخبارية"، "فاجأني حذيفة في تلك اللحظة حين قال لي أن هذه المسافة كلها قد قطعها زحفا عندما أدخل السجن في المرة الأولى، حيث كان عاجزا عن السير على قدميه"، مبينة أن الأسرى داخل السجن هم من أسعفوه وقدموا له العلاج اللازم فيما أهملته إدارة سجون الاحتلال.
وتبين الوالدة أن دخول قاعة الزيارة في سجن "هشارون"، هو أشبه بالدخول إلى الصف العاشر في إحدى المدارس، "كلهم أطفال، رؤيتهم في السجن تقطع القلب".
حذيفة آخر العنقود، لم يكن الابن المدلل لوالديه، بل كان يد وقدم والده المريض كما تصفه والدته، فقبل سنوات أصيب إسحاق بجلطة سببت له شللا نصفيا في جسده، ليعوض حذيفة والده بالنصف الذي فقده.
"كل شيء كان حذيفة، كان يزرر قميص والده ويساعده على ارتداء ملابسه، يرافقه إلى الأطباء، ويساعده بالوصول إلى المسجد" تعلق والدته، فيما الوالد يجلس متأثرا وقد فقد القدرة على الحديث عن نجله، قبل أن يصرخ مجددا، "لا إنسانية في قلوبهم.. لا إنسانية".
١٢ شباط ٢٠١٧، أصدرت محكمة الاحتلال حكماً بالسجن (١٢عاماً) على حذيفة بعد أكثر من عام على اعتقاله، "كان حلمي أن يكمل حذيفة تعليمه كما أشقائه الذين كلهم أطباء ومحامين" تعلق والدته.
لا يغيب ذكر حذيفة من المنزل المشتاق لمشاكسته، فوالديه لا ينادون أبناءهم الآخرين وأحفادهم سوى باسم حذيفة، تقول والدته، "نستفقده بجمعاتنا وجلساتنا، نستفقده كلما وضعنا الطعام على المائدة، كلما جاء العيد.. بل كل لحظة".