تُعد المخيمات الفلسطينية، هذه الكتلة الصلبة الواعية، خزان العودة بما يعني من ذاكرة خصبة متوهجة، يتم اليوم محوها ويتم معها محاولة مسح عقولنا، مسح ذاكرتنا، مسح كل التفاصيل التي حين تتجمع تشكل إرادة ووعي وصورة واضحة.
عمليًا هناك برنامج سياسي وثقافي ومؤامرة على الفلسطينيين تبدأ بالمؤامرة على المخيمات. والمؤامرة على المخيمات هي تهجير سكان المخيمات الفلسطينيين من حدود فلسطين، واقتتال الفصائل الداخلية فيما بينهم، عدا عن موضوع التخريب الذي يذهب إلى نزع الهوية والانتماء وتشتيت الصورة الحقيقية.
واقعيًا هناك انهاء للقضية الفلسطينية في الخارج منذ ما سمي زورًا بالربيع العربي، وما بقي من النظام العربي ينفتح على اسرائيل وما عاد يعير أي اهتمام، هناك تدمير للمخيمات، تطويق لفلسطين عبر المعابر، وإلغاء أي كلام حتى في البيانات الوزارية العربية الرنانة عن احتمال إعادة ترميم المخيمات أو اعادة للنازحين، أو حق عودة وإلى ذلك.
وكأن ما يحدث هو نتاج سعي مشروع عربي اسرائيلي لتفريغ القضية الفلسطينية، وإلغاء حق العودة. وكأن ما يحدث في المخيمات ما هو إلا هدف لتفريغها من اللاجئين وبذلك إنهاء القضية الفلسطينية في الخارج. وكأن قضية المخيمات الفلسطينية أصبحت من خارج الزمن وخارج النص وخارج السياق وأصبح من يتطرق للحديث عنها وكأنما يغامر بذلك وهو يأخذ موضوعًا رغم جديته وقداسته إلا أنه يبدو غير جذابًا ولا يحظى بأي اهتمام.
أصبحنا اليوم خارج الصورة، وأصبحت قضية فلسطين ليست بتلك الحرارة أو الوهج الذي يعبر عن عمقها الأصيل في الوجدان وفي الفكر وفي المنظومة التاريخية.
كيف نريد من الفلسطيني أن يكون انسانًا وأن يكون مقاومًا وأن يفكر بطريقة عقلانية وعميقة بقضيته وهو يعيش بلا كرامة في مخيمات منذ سنوات طويلة ردد فيها الكبار أن اللاجئين ضيوفًا؟ فكانت القوانين الصارمة واللوائح الممتدة من الرفض والممنوع من كرم الضيافة العربية في زيارة لم تنتهي بعد!
مؤامرة تطال المخيمات الفلسطينية في الدول العربية، هدفها ليس فقط إلغاء حق العودة وإنما تذويب هذه المخيمات وناسها التي يقيمون فيها وبشروط مأساوية.
في أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان- عين الحلوة- على سبيل المثال، فإن الصورة العامة هي كالآتي: الشباب مهمش، الأنروا تخلت، بعض الفصائل رفعت يدها. فماذا بقي من الفلسطينين في لبنان؟
تقول الأنروا أن اللاجئين الفلسطينيين معرضون للخطر على نحو خاص بسبب قربهم من مناطق الصراع داخل سوريا. وارتفاع معدلات الفقر بينهم، والوضع القانوني الهش ولا سيما لأولئك الذين اضطروا للنزوح إلى لبنان والأردن.
والآن هناك العديد من الأسئلة وعلامات الإستفهام حول مستقبل المخيمات، فهل المسؤولية هي مسؤولية عربية تبعًا للدول التي تواجد بها المخيمات؟ أم مسؤولية داخلية فلسطينية؟ أم خارجيًا للدول الداعمة للأنروا والتي هي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين؟ من الذي دفع باللاجئين الفلسطينيين نحو الجدار والزوايا المعتمة؟
قتل الزهور لن يؤخر الربيع، ومحو المخيمات عن بكرة أبيها لا يمكن أن يمحو معه مفاتيح الدور التي تتوارثها الأجيال وهي تتقن لفظ البلدة الأم التي تنحدر منها جنسيتهم الفلسطينية. والمخيمات الفلسطينية شأنها شأن أوطان العالم بأجمعها، كما أن الطريق إلى فلسطين لا يمكن أن يكون إلا بالعبور من المخيمات كلها!