رام الله- خاص قُدس الإخبارية: أحاطها الجنود وهم يصوّبون البنادق باتجاهها ويصرخون بالعبرية، فيما كانت هي تنزف وتشعر بخوف شديد وتصرخ بصوت عال:" يا الله..يا ربي"، ففي تلك اللحظات كانت تخشى أن يكون مصيرها مثل عشرات الشابات والشبان الذين تم تركهم ينزفون حتى الشهادة.
في السادس والعشرين من شهر تموز الماضي، كانت الطالبة في جامعة بيرزيت رغد الشوعاني (18 عاما) من كفر عقب شمال القدس المحتلة، متجهة نحو حاجز قلنديا وفيما كانت تدخل مسلك السيارات كان جندي إسرائيلي على برج المراقبة يأمرها بالتوقف، لكنها لم تستطع رؤيته.
من مسافة ليست ببعيدة، أطلق حارس إسرائيلي رصاصة أصابتها في منطقة الفخذ وخرجت منها ما أدى لتضرر العصب، وعلى الفور أحاطها الجنود وهم يصوبون البنادق ويصرخون دون أن تفهم شيئا، فيما كانت تتألم وتصرخ.
بعد نحو عشرين دقيقة من إصابتها وتركها تنزف، وصلت سيارة اسعاف إسرائيلية نقلتها إلى مستشفى "شعاري تسيدك"، وفي قسم الطوارئ تم تنظيف الجرح وتضميده، وطلب منها أحد الأطباء رقم عائلتها للإتصال بهم وإبلاغهم.
في ذلك اليوم كانت رغد في جامعتها عندما هاتفتها والدتها وطلبت منها احضار بضعة أشياء، فهي كانت مشغولة باستقبال المهنئين بتحرر نجلها موسى من الأسر، وبعد نحو ساعة ونصف لم تصل رغد إلى المنزل ما أشعل النار في قلبها. كانت تتوقع أي شيء إلا أن تكون قد أصيبت واعتقلت، فبدأت الاتصال بزوجها وبناتها لعلها تكون برفقتهن.
بعد نشر مقطع فيديو لرغد وهي تصرخ عبر موقع فيسبوك، تعرفت شقيقتها على رغد وأخبرت عائلتها، فوالدتها رغم عدم وضوح الصورة إلا أنها أدركت أن الشابة المصابة هي ابنتها.
التحقيق في المستشفى
جاء محقق إلى قسم الطوارئ بعد نصف ساعة من وصولها، وبدأ بالتحقيق مباشرة مع رغد غير مكترث لإصابتها وحاجتها للراحة. صارما كان في أسلوبه بالتحقيق، حاول أن ينتزع منها اعترافا حول نيتها بتنفيذ عملية طعن زاعما أنهم عثروا على سكين في حقيبتها.
لمدة عشرين دقيقة استمر التحقيق معها، ليأتي بعده شاب ادعى أنه يعمل في المستشفى لكنه في الحقيقة جاسوس "عصفور"، حاول أن ينتزع منها اعترافا بطريقة غير مباشرة عبر سؤالها "لماذا توجهتي إلى الحاجز، وماذا كنتِ تنوين"، وسألها إذا ما كانت تريد إيصال شيء لعائلتها بعد أن أخذ منها رقم والدها، مكررا سؤاله عدة مرات.
بأسلوب مغاير عن الأول، بدأ محقق أخر بالتحقيق معها وسؤالها عن عائلتها، وتفاصيل ما جرى معها منذ صباح اليوم حتى وصولها الحاجز، وسألها عن الفيسبوك الخاص بها والرقم السري، رغم أن هاتفها كان بحوزتهم.
تم نقل رغد إلى غرفة تتواجد فيها إسرائيلتان مريضتان، ولمدة سبعة أيام بقيت في المستشفى مقيدة بإحدى يديها وقدمها اليمنى غير المصابة، كانت تعاني من الآلام والإهمال الطبي، فكان الأطباء فقط يبدلون ضمادة الجرح، وإذا ما طلبت دواء جاؤوها به بعد نحو خمس ساعات.
كان الزوار الإسرائيليون للمريضتان يستهزئون بها ويشتمونها ويصرخون عليها، وفي إحدى المرات هاجمها إسرائيليان متدينان وبدأوا يصرخون "مخربة اخرجوها من هنا"، لكن الحراس حالوا دون الوصول إليها، وذلك تكرر مرة أخرى خلال توجهها لإجراء فحوصات.
في اليوم السادس، تم التحقيق معها مجددا ولفترات طويلة حول نيتها تنفيذ عملية طعن وعضويتها في حركة حماس. في اليوم التالي تم نقل رغد إلى مركز تحقيق المسكوبية، رغم أنها لم تتماثل للعلاج وعدم قدرتها على السير، إذ كانت طيلة فترة تواجدها في المستشفى تنتقل عبر كرسي متحرك، استمر التحقيق نصف ساعة وكان يتمحور حول عضوية حماس.
في "هشارون"..آنين وحنين
عقب انتهاء التحقيق، تم نقلها إلى سجن "هشارون" وعند وصولها ليلا استقبلتها عميدة الأسيرات لينا الجربوني، وفجر اليوم التالي تم نقلها عبر البوسطة إلى سجن عوفر لحضور جلسة محاكمة، وفي الزنازين بينما كانت تنتظر جاءتها الدورة الشهرية، طلبت فوطا صحية لكنهم رفضوا اعطائها، وزودوها بحبة دواء وبضعة محارم ورقية، لتدرك بعد بضعة ساعات أنه تم نقلها عن طريق الخطأ ولا يوجد محكمة لها.
خضعت رغد لثلاث محاكم، والتهم التي وجهت إليها: محاولة طعن، وحيازة سكين بصورة غير قانونية، التشويش على الجنود أثناء عملهم، والانتماء لحماس، والتحريض عبر موقع الفيسبوك، أغلب التهم أسقطت ما عدا حيازة سكين والتشويش على الجنود، وحُكم عليها بالسجن أربعة أشهر.
عانت رغد من الإهمال الطبي المتعمد، وكانت الحبة الصفراء المسكنة للآلام علاجهن الوحيد، ولمرة واحدة فقط تم نقلها عبر البوسطة إلى مستشفى "شعاري تسيدك" ليأتي الطبيب ويفحص جرحها بالعين لمدة خمس دقائق ومن ثم تعود إلى "هشارون".
الوقت في الأسر كان يمر ببطء قاتل، ولهذا كان على الأسيرات أن يجدن ما يشغلهن عن التفكير والحنين، فكن يعقدن جلسات تعليم للغة العبرية والعربية والتنمية البشرية والفقه، وحفظ القرآن، والتطريز، ويقرأن الروايات. لكن حنينها لعائلتها كان يشدها فكتبت رغد اسم والدتها على الحائط بجانب سريرها وكانت تجري حوار معها.
أنين الأسيرات المصابات كان يُسمع من الغرف المجاورة، فأصعب الحالات التي رأتها رغد في سجن "هشارون" حالة الأسيرتين المصابتين عبلة العدم وإسراء جعابيص، وهن بحاجة ماسة للعلاج خارج السجن.
قبل يوم من الموعد المنتظر، أقامت الأسيرات حفلة وداع لرغد، أعددن الحلويات وتجمعن حولها، وكل واحدة منها منحتها هدية وكتبن على بلوزة بيضاء رسائل لها ووقعن اسمائهن، أما هي فلم تستطع النوم من الفرحة.
تقول رغد لـ"قدس الإخبارية" : "التحرر من القيود وتنسم الحرية من أجمل اللحظات، لكن في نفس الوقت شعور بالحزن تملكني لأني تركت خلفي أسيرات ما زلن يقبعن في الأسر".
العلاج ورسائل الأسيرات
عقب التحرر، باشرت رغد بالعلاج الطبيعي في مركز أبو ريا، وعلى إثر إصابة الرصاصة للعصب، أصبحت غير قادرة على الشعور بقدمها والسير كما في السابق، إذ أخبرها الطبيب أحمد خندقجي أن لو خضعت للعلاج منذ البداية لكان الضرر أقل، وأنها بحاجة إلى خمس عشرة جلسة وإذا لم تتحسن حالتها فإنها ستخضع مجددا لجلسات علاج طبيعي، والخيار الأخير إجراء عملية جراحية نسبة نجاحها ضيئلة.
رسائل أسيرات حملتها رغد معها لتحاول إيصالها وتسليط الضوء عليها، فالأسيرات حرمن من حقهن بالتعليم والالتحاق بالجامعة العبرية، وكذلك العلاج، كما أن عدد منهم محروم من الكانتينا والزيارة بحجة المنع الأمني لعائلاتهن.