في خطابه لجماهير الفتحاويين الذين حضروا بالمئات أو ربما وبحسب وصف الاعلام الرسمي بالآلاف، كان خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس متناقضاً ومليئاً بالضعف، والجديد الجريء، والقديم المتسم بالتحدي والقوة.
ورغم أن جهات كثيرة كانت تنتظر الجديد في خطابه إلا أن الرئيس عباس أصر على تكرار نفس الكلام الذي سمعناه في كل مرة، لكنه وبشكل مفاجى تطرق هذه المره إلى "وعد بلفور" بلهجة غير مسبوقة، لدرجة أنني أنا الذي لا أنتظر منه جديداً ولا أثق بتصريحاته السياسية قد تفاجأت.
فقد كان الرجل على درجة عالية من التحدي فيما بدا أنه موقف رسمي بضرورة أن تعترف بريطانيا بخطأها التاريخي مما سمي بـ"وعد بلفور"، على أن يكون هذا الاعتذار منطلقاً لاي حوار أو تفاوض أو موقف قد يصدر عن الفلسطينيين بشأن العلاقة مع بريطانيا أو دورها وموقفها من الصراع العربي الاسرائيلي.
والتناقض هنا كان جلياً في موقف الرجل المعروف بدعمه لحل الدولتين والذي أمضى جزءاً كبيراً من حياته السياسية في التفاوض مع اسرائيل لهذا الغرض. بل إنه قال بأن التنسيق الأمني مع اسرائيل "مقدس" والآن يعيد "نبش" وعد بلفور، وكأنه يقول: (اذا رفضتم حل الدولتين فاننا سنعود للمطالبة بكامل فلسطين).
لكنه ربما نسي أن ما يمنعه من مساعدة الناس في مناطق "ج" اليوم هو المعاهدة التي كان قد وقع عليها بنفسه، وهي اتفاقية اوسلو التي اعترفت بحق اسرائيل كدولة بالوجود على أرض فلسطين وبأن مقاومة الاحتلال ارهاب، وهي الاتفاقية التي اعترف بها العالم والتي اتخذت قرارات دولية بناء عليها، وهي الاتفاقية التي وبموجبها يناضل عباس ومن معه من أجل الحصول على اعتراف دولي بدولة فلسطينية على حدود عام 1967.
ان كل هذه التناقضات التي توحي بأن الرجل لا يملك برنامجاً واضحاً ومبنياً على أسس قوية لم تخل من أخطاء جانبية لا تقل خطورة، ففي خطابه الارتجالي وقع في خطأ ربما يكلفنا الكثير إذا ما استغله أعداؤنا، ففي حديثه حول وعد بلفور تساءل متهكما:" لماذا لم يعطوهم (يقصد اليهود) أرضا في اسكتلندا أو ايرلندا !!" إن هذا الخطأ قد يفقدنا عشرات الآلاف من أصدقائنا الاسكتلنديين والايرلنديين، هؤلاء الذين يرون في حكم بريطانيا لبلادهم احتلالاً، ويناصروننا لكون بريطانيا سهلت احتلال ارضنا لصالح اليهود، وهم الذين امتزجت دماء مناضليهم مع دماء أبناء شعبنا تحت رايات الفصائل اليسارية الفلسطينية دفاعاً عن حق شعبنا في التحرر، وهم أنفسهم من يقودون حملات تطالب بريطانيا بالاعتذار عن "وعد بلفور"، ولهذا فإن عباس مطالب بتوضيح أو اعتذار عن هذا الخطأ لكي يفوت الفرصة على الاحتلال الذي ينتظر أخطاءنا ليجعلها مكسباً لصالحه.
اما زيارة مدفيدف لأريحا لافتتاح شارع كلف بضع مئات الاف الدولارات فحدث ولا حرج، ففي زيارته للقدس ذهب ميدفيدف ولبس (الكيبا) اليهودية وصلى قرب الحائط الغربي (البراق)، وكأنه يقول لاسرائيل أننا لا نعترف بقرار اليونيسكو وأن موسكو تدعم حق اليهود في هذا المكان، بينما كان ميدفيدف وقحاً بشكل كبير في زيارة أريحا التي اقتصرت على السير في أملاك روسيا الاتحادية وزيارة لقصر الخليفة الاسلامي البرجوازي هشام بن عبد الملك، والتقاط الصور بنفسه بكاميرته الشخصية متجاوزاً عن قصد الأعراف الدبلوماسية، بينما كان من الواجب على منظمي الزيارة أن يأخذوه لزيارة مدرسة بدو الكعابنة التي لا تبعد سوى 3 كلم عن موقع الاستقبال ليشاهد بعينيه ظلم الاحتلال، أو ربما كان من الممكن أن يزور رأس عين العوجا ليشاهد بعينيه كيف يعيش الفلسطيني في ذل وضيم بينما يتمتع المستوطن (عومر) المحتل بكل وسائل الراحة والرفاهية.
حتى أنه في مؤتمره الصحفي أشار وبوقاحة على أن روسيا تدعو إلى مفاوضات مباشرة بين عباس ونتنياهو دون شروط مسبقة، وكأن وقف الاستيطان والاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967 شروطاً تعجيزية للعالم لاقناع اسرائيل بالعودة الى المفاوضات.