تتجه أنظار الكثيرين من الطلبة في جامعة النجاح الوطنية إلى يوم الثلاثاء القادم الموافق 23 أبريل لهذا العام، حيث ستُعقد انتخابات مجلس الطلبة في أكبر جامعات الضفة الغربية المحتلة، وتسبق أنظار الطلاب لهذا الحدث المميز نظرات وتحليلات الكثيرين من السياسيين والمسؤولين في الفصائل الفلسطينية في شقيّ الوطني المكلوم، ناهيك عن المراقبين والمتابعين لما قد تتجه إليه الأمور في الضفة المحتلة في ظل الحديث المتكرر عن المصالحة بين أبناء الوطن الواحد.
ما الذي تمثله الحركة الطلابية الفلسطينية؟
لا شك أن الحركة الطلابية الفلسطينية شكلت منذ طليعة انطلاقتها نموذجاً ثورياً فريداً وعاملاً مهماً في تحريك الشارع الفلسطيني، كما لعبت دوراً أساسياً في تحديد ملامح الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمختلف مراحله. فبدءاً من "جمعيات الخطابة" في عهد الانتداب البريطاني والتي تأسست عام 1936 في مدرسة المنشية بمدينة يافا الفلسطينية، و"الاتحاد العام لطلاب فلسطين" في العام 1956 والذي أصبح في السنوات اللاحقة أكبر هيئة شعبية فلسطينية منتخبة، ومروراً بالانتفاضة الأولى والتي شكلت فيها الأجسام المختلفة للحركة الطلابية عاملاً أساسياً ضابطً لإيقاع الحراك الشعبي للانتفاضة، ومن ثمّ مرحلة أوسلو المشؤوم والتي امتدت حتى بدايات الانتفاضة الثانية، وما شملته تلك الفترة من اعتداءات بحق الحركة الطلابية الفلسطينية، ومحاولة شرسة لتغييب دورها الفعّال والمؤثر عن الواقع الفلسطيني سواء بالمطاردة المستمرة أو تغييب الرموز ذات التأثير في أقبية السجون. ووصولاً إلى مرحلة الانتفاضة الثانية، والتي لعبت فيها الحركات الطلابية المختلفة دوراً مهماً في مقارعة المحتل، لتشكل الطليعة الثقافية الأولى في خط الدفاع الأول عن النهج النضالي الفلسطيني.
وبالعودة إلى انتخابات مجلس الطلبة في جامعة النجاح، فمن حق أي فردٍ فينا أن يطرح هذا التساؤل، وهو في ظل الركود السياسي القائم، والحالة الضبابية في العمل الوطني الفلسطيني، هل أصبحت الحركة الطلابية جزءاً من الارتباك والتشوش الذي صار ملازماً للتجربة الفلسطينية على اختلاف مراحلها، وهل فقدت تلك الحركة المثقفة والواعية دورها الطليعي والريادي لتصبح مَقودةً بالتجاذبات المختلفة بين أقطاب الوطن والواحد بدل أن تكون هي المحرك الأساسي للشارع ككل؟!
جامعة النجاح نموذجاً للكلّ الفلسطيني
تمثل جامعة النجاح نسيجاً عظيماً يشمل كافة ألوان الطيف الفلسطيني، بحيث لم يبقَ فصيل إلا وسقط لهُ شهيدٌ أو أسيرٌ من طلبة جامعة النجاح، وأعظم شاهدٍ على ذلك هي الأرواح الطاهرة التي حلقت في سماء الوطن، أذكر منهم يامن فرج وقيس عدوان ونعمان طحاينة وياسر البدوي وكوكبة أخرى من الشهداء والأسرى الأبرار. وهي بذلك تشكل برأيي ورأي الكثيرين مقياساً ومؤشراً على الحضور الفعلي لكل مكونٍ من مكونات الشعب الفلسطيني في الضفة المحتلة، ومدى قوة أو تراجع القوى السياسية في الشارع الفلسطيني.
[caption id="attachment_10318" align="aligncenter" width="300"] جانب من الدعاية الانتخابية للكتل الطلابية في الجامعة[/caption]واليوم ونحن على أبواب الانتخابات القادمة، والتي ستشارك فيها 8 كتل طلابية من ضمنها كتل عن فتح وحماس واليسار الفلسطيني بغياب الرابطة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي. يحاول الكثيرون توقع النتائج المترتبة على هذه الانتخابات، والتنبؤ بها بناءً على معطياتٍ عدة أهمها انتخابات مجالس الطلبة التي جرت في الأسابيع الأخيرة في عددٍ من جامعات الضفة المحتلة كبيرزيت والخليل والخضوري، بالإضافة إلى مشاركة الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس في الانتخابات بعد انقطاعٍ دامَ ستّ سنوات لتشكل بذلك مفاجأة للجميع، خصوصاً لمن يعلم حجم الاعتقالات والتضييقات التي تمت في صفوف أبناء ومناصري الكتلة الإسلامية في الفترة الماضية، ليتبع هذا الإعلان عشرات التعليقات والمواضيع على صفحات مواقع التواصل الإجتماعي من المناصرين أو المعارضين للقطبين الرئيسين في هذه الانتخابات "فتح وحماس"، إضافة للفضائيات ومواقع الإنترنت كافة، وكل طرف يحاول أن يحسم نتيجة الانتخابات لصالحه قبل حدوثها!
من وجهة نظري، ومن معرفتي بواقع الحركة الطلابية في جامعة النجاح والممتدة منذ 7 سنوات تخللتها الاعتقالات المتكررة، فإن هذه الانتخابات قد تحمل المفاجآت التي لم يتوقعها أحد، وبغض النظر عن صاحب الحظ الأوفر فيها، فإن هذا الحدث –إن أُحسِن استغلاله- سيعود بالنفع على الكلّ الفلسطيني بشكل عام وعلى الحركة الطلابية ومدى الحريات الممنوحة لها بشكل خاص.
حماس وفتح بين الواقع والتّمنّي
يقول سامي أبو زهري في تصريح له قبل أيام نشر على المواقع الفلسطينية "إنّ مقاطعة حماس لانتخابات الجامعات كان استثنائياً في الماضي نظراً لعدم توفر الحريات داخل أسوار الجامعات فضلاً عن مضايقات الأجهزة الأمنية، إلا أن الأمور متفاوتة وأي جامعة تتوفر فيها أجواء مناسبة سنشارك في انتخابات مجالسها". يقف أبو زهري في تصريحه هذا على جانب من الواقع الذي حصل، لكن الحقيقة أنّ الغياب الكبير للكتلة الإسلامية عن جامعة النجاح –وإن كانت الظروف مؤلمةً وقاسية- قد يكون له آثاره السلبية على النتيجة التي تتوقعها الكتلة الإسلامية للانتخابات، فالطلاب يؤمنون بما يرونه واقعاً على الأرض، ونتيجة صندوق الاقتراع هي حصادُ عمل الشهور والسنين. فبرأيي أنّ الثمن الذي دفعه مناصرو الكتلة الإسلامية في الضفة كان باهظاً، لكنه لم يكن ليطول وليكبُر لو أصروا على البقاء فوق الأرض وبنفس الزخم الذي كانوا عليه قبل أحداث العام 2007 والتي أعقبت الانقسام المشؤوم، بل ولربما قصّر ذلك من عمر الاعتقالات السياسية والتعذيب الوحشي في أقبية ذوي القربى، بل إنّ غيابهم عن الساحة وتراخيهم في العمل والزخم الفعلي أدّى إلى حالة أشبه من الاستقواء من قبل المنظومة الأمنية الفلسطينية عليهم وعلى كل من ينادي بالحريات أو ينبسُ ببنت شفةٍ، وصولاً إلى درجة استباحة كل الخطوط الحمراء، حتى طالت الاعتقالاتُ العشرات والمئات من الكلّ الفلسطيني مهما كان لونُه أو انتماؤه، وكنتُ أنا أحد ضحايا هذه الاعتقالات السياسية المؤلمة لمدة زادت على الشهرين.
كذلك الأمر، فربما تنتظر حركة فتح بكل مكوناتها وأقاليمها وهيئاتها نصراً مؤزراً في هذه الانتخابات، لكن الحقيقة المرّة التي ربما يغفل عنها أصحاب هذه النبوءات هي أنّ الأجيال الموجودة في جامعة النجاح لم تعاصر سوى مجلس الطلبة الذي ترأسُه حركة الشبيبة الطلابية وبمشاركة من الكتل اليسارية، وعندما يتجه الطالب إلى صندوق الإقتراع فالواقع يشير إلى أنه لن ينتخب من جرّبه من قبل ولم يقدم له الكثير من الإنجازات والخدمات، خصوصاً إذا ما قارن الطالب وضعه بالجامعات الأخرى التي تنشط مجالسها الطلابية في تقديم الخدمات وتحصيل الإنجازات خدمة للطالب لمساعدته في إكمال مسيرته التعليمية بيسر وسهولة.
كما يلاحظ كل متابعٍ لهذه الانتخابات ترشيح الكتل اليسارية لخمس قوائم مختلفة هي كتلة اتحاد الطلبة، وكتلة الاستقلال، وكتلة نضال الطلبة، وكتلة الوحدة الطلابية، وكتلة الشهيد أبو علي مصطفى، بالإضافة إلى كتلة المبادرة الطلابية، وهذا قد يؤثر بشكل كبير على النسبة التي قد تحصل عليها قوى اليسار الفلسطيني متفرقة، بعكس ما لو كانت مجتمعة في كتلة واحدة كما حصل بعض الأعوام الماضية. مع احتفاظ كتلة الشهيد أبو علي مصطفى بالحظ الأوفر من التصويت بين كتل اليسار المختلفة حسب التوقعات.
ومع كل ما قد سبق، يبقى الجوابُ الأخير لصندوق الاقتراع، والذي حتماً سيحمل الكثير من المفاجآت، خصوصاً لأي طرفٍ قد يتوقع حصوله على نسبة الحسم والانتصار في هذه المعركة الانتخابية. لكن الدّور الأهم والأصعب هو لكيفية إدارة الواقع بعد هذا الحدث الذي سيكون مفصلياً في موضوع الحريات والاعتقالات السياسية في الشارع الفلسطيني، فهل سيكون الثالث والعشرين من أبريل بدايةً لواقع فلسطيني جديد تحكمه الحريّات المفتوحة للجميع والتوافق على أساس الشراكة، بعيداً عن لجم الحريّات وإقصاء الآخر في كلا شقي الوطن المكلوم؟!