فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: استجبت لطلب شقيقي الصغير "آخر العنقود"، الذي بدأ جولة جديدة من البكاء، لأنني كنت قد وعدته سابقا بأن اصطحبه في نزهة يرى فيها "رجل العيد" الذي سيهديه لعبة لكونه قد صام يوم وقفة عرفة، وقد تأخرت في الإيفاء بوعدي، لانشغالي بأمور أخرى.
لا ألومه فهو يريد أن يرى "رجل العيد"، فعندما كنا صغارا، كان أهلنا يخدعوننا عندما يصورون لنا أن العيد رجل جميل سيأتي أول أيام عيد الفطر، ويجلب للأطفال الذين أتموا صيام الشهر هدايا كثيرة، كما أنه يأتي أول يوم في عيد الأضحى، ليقدم هداياه للأطفال الصائمين في يوم عرفه..
مررت "كذبتي البيضاء" على آخر عنقودنا نضال، لأشجعه على صيام يوم عرفة، نجحت في ذلك، ورضخت تحت إلحاحه في رؤية العيد، ولأغفر كذبتي هذه، آثرت صحبته في نزهة تعوض ما ارتسم في خياله عن "رجل العيد".
ارتدى ملابسه الجديدة، وسرّح شعره ووضع رشة عطر، وتأنق "على سنجة عشرة"، أمسك يدي ومضينا نحو العيد، بدأنا جولتنا بأحد مطاعم المدينة، جلبت له ما يحب من أطعمة وحلويات، وبقيت أراقب ضحكته التي ملأت وجهه "من الدان للدان" وهو يتناول ما يحب، رحت أنا الأخرى أبادله الضحكة، وتبدو فرحة نضال عارمة كلما كررت على مسمعه "صحة وعافية".
بدا المطعم مزدحما بالزوار أيضا، جميع من حولي يتناولون طعامهم، وقد فرشت طاولاتهم بما لذ وطاب من المأكولات.
وفي زاويه أخرى تجمعت عائلة وراحت تصفق بعدما أطفأ صاحب المطعم الكهرباء وأحضر لهم قالب الجاتوه، تزينه الشموع، وأخذوا يحتفلون بعيد ميلاد ابنتهم، في لحظة ما وخزني قلبي، مرت صورة مالك القاضي من أمامي سريعة خاطفة، رأيته على السرير، تنغمس الأنابيب في جسده، في فمه وأنفه ومن كل أنحاء جسده، ووالدته إلى جانبه تمسد شعره، وتزرع قبلاتها على جبينه، وتتوسله أن ينطق ولو كلمة واحدة.
أمه التي تلازمه في مشفى "ولفسون" الاحتلالي، منذ مدة، ربما سمعت "كركعة" أمعائه التي لم تطحن سوى الجوع منذ اكثر من 70 يوما من الإضراب المفتوح عن الطعام، والتي وصفتها الجهات المسؤولة بأنها أخطر حالة اضراب فردي منذ عام 2011، كان مالك أمامي، يئن بصمت من دون أن يتمكن حتى من الصراخ.
للحظة لم أشعر بي، قلب كياني، اختفى الناس من حولي، وخفت صوت الموسيقى وضجيج الأواني والملاعق والصحون، ووجدتني هناك أقف الى جانب سرير مالك أستمع لجهاز تخطيط القلب، يمشي المؤشر عليه بخطوات مثقله، وكأنه على وشك التوقف في لحظة ما بعد تعب المسير.
ارتبكت.. ارتجف قلبي بينما صغيري نضال قد أنهى وجبته اللذيذة، غادرنا المكان، للحظة تملّكني اليأس والإحباط، لم استطع في ذلك الوقت سوى مناجاة الله أن يخرج مالك سالما معافى، ورحت أقلّب هاتفي المحمول بحثا عن أخبار جديدة عن صحته، وسرعان ما وجدت تسجيل فيديو لوالدته في أحد الاعتصامات في باحة كنيسة المهد في بيت لحم، قالت والدته :"مالك هسه بين إيدين ربه إدعوله".
أعترف بأنني تمنيت في صغري رؤية رجل العيد، يأتي لي بالهدايا، وألا تكون مجرد رواية وأسطورة من الخيال، لكن أمنيتي تحققت الآن بعد سنوات طويلة، لأني أدركت أن للعيد رجلا واحدا اسمه مالك القاضي.