شبكة قدس الإخبارية

"اوعى تقلهم اشي يمّا"

طارق أبو حمدية

فلسطين – قدس الإخبارية لا زلت أذكر كلمات الوالد - الشهيد ميسرة أبو حمدية - القاسية بحق عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني إبان الحكم عليه، حيث أبدى الرجل استعداداً للتنازل وتليين موقفه مقابل الحصول على عفو وتخفيف الحكم من الإعدام للمؤبد، وقتها قال الوالد رحمه الله "الزعيم لا يهاب الموت ولا يأبه بالسجن".

شعرت في حينها بأن كلمات الوالد مبالغ فيها ومن عالم آخر أصبحنا لا نعيش فيه، حتى دخل هو المعتقل للمرة الأخيرة، في تلك السنوات كان عندما تتاح له الفرصة ليحدثنا على الهاتف وأبلغه بنية أحد أفراد العائلة زيارته، كان يقول لا تهتموا بزيارتي أنا بخير، كان الموقف يصعقني خصوصاً عندما أسمع قصص الأسرى الآخرين وإنتظارهم للزيارة وسماع الأخبار.

ما كان يثير دهشتي هو أنه كان لا يحب أن نذهب لإعتصامات الصليب أو نادي الأسير وكنت أذهب بدون إخباره، كان الوالد يرى في الزيارة إذلالاً لأهل الأسير و كان يرى في الإعتصامات اعتراف شعبي بالضعف فلم يكن يحب إذلالنا ولا إشعارنا بالضعف، ليس هذا فحسب بل كان يعتبر أن الزيارات هي فرصة لإعطاء الإحتلال وسيلة ضغط على الأسير يجب حرمانه منها.

بالإضافة لأن تحول الحال من مقاومة الاحتلال لطلب المناشدات من الصليب الأحمر والاحتلال والمجتمع الدولي هو تحول سلبي جداً يفرغ عملية الأسر من بعدها المقاوم والبطولي ويفرغ شحنة التحدي المصاحبة لها بل ويجعل المقاومة لعبة خاسرة تننهي بالسجن والإستجداء، وجعلت الاحتلال ينظر لكثير من الشباب بعين القائل: "مبارح كان نمرود واليوم صار يترجى".

لا شك بأنها كلمات قاسية كحجر الصوان تلك التي أقولها على لسان ميسرة، ولا أعلم ما هي الطينة التي عجن منها ميسرة فقد كان خشناً صلباً عنيداً قادراً على الدوس على كل المشاعر الإنسانية في سبيل كرامته وسبيل حفظ كرامتنا كعائلته! لم يقدم في حياته للاحتلال اعترافاً واحداً، وتلك القسوة والصلابة هي وحدها التي تستطيع البقاء والمواجهة في ميدان المواجهة الضيق والمغلق داخل الأرض المحتلة، في معاركنا الصفرية الشبيهة بالإنتحار.

أما أمنا في الصورة، فأقول لها و لكل أم، لا تعطي أولئك الأوغاد من بني جلدتنا أو الاحتلال فرصة لإذلالك ولا فرصة لعسكري شوفيني سادي بوضع هذه الصورة أمام ابنيك في المعتقل وإذلالهما بقوله "شوف شو عملت في إمك"، أريهم صلابة أقسى من فولاذ الزنازين وإذا ما أردت إرسال رسالة فقولي ما قالته جدتي رحمها الله، والتي لا أعرف ما طينتها أيضاً، لأبي عند زيارته في معتقل الخليل في شتاء عام 1970 وبعد أن شاهدت لون الدم الأسود المتخثر تحت جلد ذراعيه ورقبته من شدة الضرب بالكوابل الكهربائية الغليظة و الشبح في ساحة السجن! حيث قالت: "اوعى تقلهم اشي يمّا، الواحد بموت موته وحدة" فكفّي عن الاستجداء، ودعينا نموت موتة واحدة لا موتة كل يوم!