فلسطين المحتلة - خاص قدس الإخبارية: لم تتوانى بلدة سعير شمال محافظة الخليل عن جودها بين الشهداء والأسرى على مر العقود، واكتسبت لقب بلدة الشهداء لكثرة ما قدمته من شهداء مقاومين على طريق إنهاء الاحتلال، وخلال الانتفاضة الجارية قدمت سعير لوحدها 13 شهيدا و27 أسيرا لا زالوا يقبعون في سجون الاحتلال.
ماهر غنام الفروخ، أو كما يحلو لأصدقائه ولرواد مواقع التواصل الاجتماعي تسميته "قناص الجماجم" ابن بلدة سعير، انتصر دمه على عدوه مرتين، الأولى خلال انتفاضة الأقصى، بعد إصابته بعيار معدني في الرأس من قبل جنود الاحتلال خلال مواجهات اندلعت على مدخل بلدته عام 2002.
أشيع في البلدة حينها أنه استشهد بسبب الإصابة، وحديثا أشيع مرة أخرى أنه استشهد، لكنه باق ولا يعلم ما يخفيه له القدر، يقول في حديث خاص مع "قدس الإخبارية ": "طالما هناك ظل واقع علينا نظل ننتقم منه حتى لو بالدعاء عليه في الصلاة، ودعوتنا عليه مقاومة".
اعتقاله
مكث ماهر أسبوعين في العناية المركزة وخرج منها بعد إجراء عدة عمليات جراحية له، واحتاج الأمر أن يبقى في المشفى شهرين آخرين ليعود من جديد إلى ساحة الاشتباك والمواجهة مع جيش الاحتلال في محطات وأماكن متعددة ومتفرقة.
خرج ماهر وعاد لمواصلة مشوار الحياة، وبداخله يتولد حقد وكراهيته ضد عدو غارق في القتل والإجرام بحق شعبه ومقدساته. يعمل ماهر في مدينة رام الله داخل محل لبيع الملابس الرجالية، وخلال فترة دوامه لا يترك نشرة أخبار إلا ويتابعها خصوصا عن بلدته سعير.
بعد اندلاع الانتفاضة الحالية بأيام طلب ماهر من صاحب المحل الذي يعمله فيه برام الله أن يسمح له بالذهاب إلى سعير للمشاركة في تشييع جثمان الشهيد إياد جرادات والذي كان محتجزا لدى الاحتلال لعدة أسابيع، وبعد وري جثمان الشهيد الثرى عاد ماهر لرام الله من جديد، غير أن قلبه بقي معلقا في سعير يسأل أهله عن الأوضاع في القرية.
يضيف ماهر، "في يوم الجمعة بتاريخ 30/10/2015، بعد الانتهاء من أداء الصلاة في المسجد، توجهت إلى مكان المواجهات مع قوات الاحتلال في مدينة البيرة، كانت المواجهات شديدة، انتبهت الى اقتراب جندي من مكان مطل كنت أقف فيه، فركضت باتجاه الجندي وصوبت حجري على رأسه، وبعدها قام الجيب العسكري بدهسي، فقدت الوعي ولم اتذكر بعدها شيء سوى مشهد رش الغاز على طواقم الإسعاف والصحفيين، وشعرت بالكم الهائل من الضرب المصحوب بالشتم داخل الجيب العسكري، وبعد ثلاثة أيام أفقت من نومي لأجد نفسي مكبلا على سرير، فأخبرني السجانون أنني معتقلا في مستشفى سجن الرملة".2
وعن الإهمال الطبي ومستشفى سجن الرملة يقول الأسير المحرر والمصاب ماهر "المستشفى مقبرة للأحياء وحقل تجارب على الأسرى المرضى، لا يوجد أي اهتمام طبي بالأسرى، هناك مرضى بحالات مرضية متنوعة ومختلفة وكل ما يقدم هو حبة دواء "الاكامول" السحرية التي تستخدم لكافة الحالات والعلاجات".
استقبال الأسرى
ويتابع، "بعد أسبوعين تم نقلي إلى معتقل عوفر، لم أكن أقوى على المشي بسبب وجود مادة "البلاتين" في قدمي، لحظة دخولي للقسم بدأ الأسرى بالتكبير والتوحيد بصوت عال وهنأوني بسلامتي وأجلسوني على كرسي وسلموا علي جميعا، وأنا لم أشاهد الصور والفيديو إلا بعد تحرري".
أصيب الشاب ماهر بعدة كسور في قدمه اليمنى وبكسر في ركبة القدم اليسرى، ورضوض في الظهر والقفص الصدري، ويعاني من آلام في الظهر نتيجة قيام جيب الاحتلال بدهسه قبل اعتقاله، وحكم عليه بالسجن لمدة ثماني أشهر ليعاني لاحقا من تأثير استشهاد صديقه وابن عمه الشهيد فادي الفروخ.
يقول: "خرجت للمحكمة وكان حاضرا أخي وأمي، سألتهم عن الجميع وطمأنوني ونقلوا لي سلام الزوجة والأخوة والجيران، طلبت من أخي فؤاد ان يوصل سلامي لصديقي فادي، صمت فؤاد وتنهد وقال لي اقرأ الفاتحة عليه، فادي استشهد بعد إصابتك بثلاثة أيام".
صديقه الشهيد
ويتحدث ماهر عما فعله فادي بعدما شاهد جنود الاحتلال يعتدون عليه ويدهسونه فيقول: "مشهد الاعتداء علي من قبل جنود الاحتلال أثر في فادي وقام بوضع صورتي غلافا على صفحته الشخصية على "فيس بوك "، وبعد تشييع جثمان الشهيد رائد جرادات الذي شارك فيه الشهيد فادي، تقدم الشهيد فادي صفوف الاشتباك مع جنود الاحتلال ليصاب برصاصة اخترقت رأسه واستشهد على الفور".
ويوم خروجه من الأسر قطع ماهر على نفسه عهدا بألا يسلم على أهله وعائلته قبل أن يسلم على والدة صديقه الشهيد فادي ويقبل ابنته فاطمة، وبعد قراءة الفاتحة على روح صديقه فادي توجه مباشرة الى منزله حيث كانت أم فادي وفاطمة بانتظاره".
لا زال الأسير المحرر ماهر يتلقى العلاج في مستشفى الأهلي بمدينة الخليل، وأبلغه الأطباء بمنعه من العمل او التنقل بدون عكاز أو مرافق لمدة عام ونصف، لصعوبة الإصابة وحاجتها للوقت الكافي للشفاء، زار بيوت الشهداء جميعهم والتقى بذويهم، ويستعد لاستقبال مولده الجديد فادي تيمنا بصديقه الشهيد "فادي الفروخ".