في الساعة السابعة وأربعين دقيقة؛ أي قبل الإفطار بلحظات، انشغل قلب هديل على محمد، وعلى الفور أمسكت بهاتفها النقال واتصلت به، "محمد حابة أحكي معك"، كانت تلك المكالمة في يوم السبت بعد يوم من تنفيذ عملية "عتنائيل" التي حدثت يوم الجمعة في الأول من تموز الماضي، ليحين وقت كشف الحقيقة التي لطالما حاول بطل الحكاية إبعاد هديل عن تفاصيلها .. "اسمعي يا هديل، بدي تنتبهي على حالك وعلى قرآنك وتضلي مخلصة إلي.. بدي ابني يكون حافظا للقرآن".
لم ينتهِ حديث محمد بعد..(أنا ما اخترتك من فراغ، بعرفك على قدر من المسؤولية، راح تضلك أغلى الناس على قلبي)، في هذه اللحظة شعرت هديل بحدوث أمرٍ جلل مع زوجها، التي لم تستطع حصر صفاته ومواقفه الجميلة، فهو بالنسبة لها ملاك مهذب لطيف يحب الإسلام والقرآن، يتمتع بالحنان والطيبة، لم تعرف منه "عصبية" أو غضبا، لطيفٌ وصاحب ابتسامة واسعة ويحافظ على صلاته، وبعد أن مرت تلك الصفات كشريط ذكريات سريع أمامها، سألته..- محمد، أرجع أتصل عليك؟
بداية القصة
في يوم الاثنين قبل أربعة أيام من تنفيذ عملية مستوطنة "عتنائيل"، طلب محمد من زوجته تجهيز نفسها للذهاب لبيت أهلها.. "ما بطمئن عليك إلا إذا كنت عند بيت أهلك"، كان موعد ذهابها قبل ذلك ولكن لظروف عمله، وظروف العملية التي يخطط لها يجعله يؤجل ذلك، وأثناء المسير فتح مسجل السيارة تحديدا على أناشيد وطنية وإسلامية "حماسية".- هديل، الأناشيد هدي بيغنوها إلي.
أنت ليش بتحكي هيك.
بكرة بتعرفي مين أنا.
"أنا وابنك بنهون عليك بدك نعيش لحالنا؟!".. كلامه جعلها تطرح السؤال خوفًا على مستقبلهم، في هذه اللحظة استرجعت الذاكرة وتذكرت.. "أنت قلت أنك ستبني لنا بيتا"، لكن محمدا كان يصمم على ما يخفيه عنها: "الحياة قصيرة والله موجود ورحمته واسعة.. سأبني لك قصرا في الجنة"، كلامه كان كشعلة أوقدت الخوف في قلبها "ايش بتحكي هيك احنا مبسوطين وبنتعاون وبندخل الجنة معا"، رد مصممًا على رأيه "هديل.. الدنيا ظلمتنا ولن ترحمنا، راح تيجي إلي أميرة في الجنة.. الدنيا ما بتكفيني لأشبع منك". وفي آخر أيام له بين أهله مكث عند أمه ثلاثاً؛ بعد أن أرسل زوجته لبيت أهلها، وقتها جاء مديره في العمل وسأل عنه، قالت أم حسين (والدة محمد) له: "ابني في العمل"، لكنه نفى ذلك .. "لا محمد لم يأتِ للعمل"، حينها اتصلت أمه به فأخبرها أنه سيذهب لإحضار زوجته، انتهى الاتصال، ومر الوقت اتصلت به أمه مرة أخرى فإذا بالهاتف مغلق، انشغل قلبها عليه فاتصلت بزوجته هديل لكنها تفاجأت أنه ليس عندها. هنا استرجعت أمه ما سمعته عندما كان محمد يناجي ربه في أيامه الأخيرة التي أفطر فيها عندها وهو يردد.. "يا رب.. آخر عمري طال أو قصر مقبل لا مدبر".
- محمد ايش اللي بتحكيه..طيب ومرتك وابنك.
يما يا حبيبتي .. ربنا وكيل في الكل، ما بسيب حدا الكل بيتمناها وهيهات اللي بيحصل عليها.
عملية عتنائيل ولد محمد جبارة الفقيه في الرابع عشر من يوليو/ تموز عام 1987م، واستشهد في ذات شهر ولادته في السابع والعشرين (الذي وافق الأسبوع الماضي) في بلدة صوريف شمال غرب الخليل، بعد أن خاض اشتباكا مع قوات كبيرة من جيش الاحتلال استمر لأكثر من سبع ساعات. على أعتاب تموز، كان يوم الجمعة، أوصى محمد زوجته بإحياء ليلة القدر، وأخبرها بأن لا تقلق إن أغلق هاتفه، حدثها في ذات اليوم الذي نفذ فيه عملية "عتنائيل".. "بدي أروح أفطر عند أهلي" ثم أخذ يعطيها توصياته واستمرت تلك المكالمة 20 دقيقة. "محمد كان يستغل أي فرصة فراغٍ ليحدثني، ربما ساعده في ذلك عمله الميداني كمشرف مبيعات جنوب الخليل في شركة الوطنية موبايل إضافة لعمله المكتبي، تعلّق بي بشكل لم أتخيل أن أهون عليه أو يهون عليه طفله الذي لم يولد بعد لكن.. حب الله ترّفع في قلبه عن أي شيء".. لم تتخيل هديل أن ينقطع محمد عنها لشدة تعلقه بها. في مساء يوم السبت الذي كان آخر يوم سمعت به صوته، بعد المكالمة التي ألمح بها محمد شيئا لهديل، بعدها انشغل بالها على زوجها، حاولت الاتصال به لأنها اعتادت أن يتصل بها كل ساعتين أو يصلها منه رسالة هاتفية، لكن الهاتف كان مغلقا. لكن محمد كان قد نفذ عملية إطلاق نار استهدف مركبة إسرائيلية قرب مستوطنة "عتنائيل" اليهودية المقامة على أراضي بلدة "السموع"، جنوب مدينة الخليل، في الأول من يوليو الماضي، قتل خلالها مستوطنا وهو "ميخائيل مارك"، حاخام كبير ومدير المعهد الديني بمستوطنة عتنائيل، وأصيبت زوجته بجراح خطرة. وفي اليوم التالي لم يأتِ الاتصال، هي لا تعلم بما يحدث، قامت هديل بالاتصال بعائلة محمد مرة أخرى، لكن حتى تلك اللحظة لم يعرفوا شيئاً.. في هذه اللحظات أذيع خبر اعتقال محمد، فقالت في نفسها: "بكرة بحققوا معه وبياخد براءة، ربما أحد تبلى عليه"، وما إن لبثت قليلا من الوقت حتى داهمت قوة من الجيش الإسرائيلي منزل عائلتها في قلقيلية. قاموا بتفتيش المنزل، وسألها الضابط عن مكان زوجها، فأخبرته: "محمد عندكم وليس عندي" فما زالت تعتقد أنه معتقل، لكن الضابط حاول الضغط عليها لجمع معلومة ربما تسقط منها خوفا: "بدك تسلميه اذا بتعرفي وين محمد، يا بنجيبلك إياه جثة ما بتعرفيش تميزي وجهه"، لم يتوقف عن التهديد .."، وحتى لو قتلناه راح نعتقلك ونخليك تنزلي اللي ببطنك.. بدناش إياه"، أعاد الضابط الكرة بمداهمة البيت مرة أخرى والتهديد بالاعتقال، وبقيت هديل تترقب اعتقال زوجها. وفي مساء ذات اليوم اقتحمت قوة من الجيش الإسرائيلي بيت والدته تفتش وتهدد .."ابنك قاتل .. راح تدفعي الثمن غاليا"، ومن هنا بدأت المطاردة لمحمد استمرت 25 يوما، وتفتيش البيت والاقتحام الذي تكرر 12 مرة، لم تتوقف تلك الاعتداءات بل قاموا باعتقال إحدى شقيقاته وقال الضابط لها، وما زالت إلى اليوم معتقلة. وظل الاتصال منقطعاً عن أهله طوال أيام مطارته لم يزرهم أو يحدثهم مطلقا لا أمه ولا زوجته، كان مستأجرا بيتا في بلدة صوريف، وهكذا أمضت العائلة فترة المطاردة بلا نوم أو استقرار.
في ساحة المعركة
في تمام الحادية عشرة مساء ليلة السابع والعشرين من تموز 2016م، بدأ محمد بالاشتباك وخوض معركته الأخيرة مع الجيش الإسرائيلي منفردا، في هذه اللحظة دخل والد هديل عليها وأخبرها: "بدك تتوقعي محمد يستشهد"، أراد والدها تهيئتها لما قد يحدث، بعدها علمت هديل بالاشتباك.
وفي منزل والدته، كانت العائلة تتابع الأخبار، فيما هرعت الأم تبتهل إلى الله بالدعاء والصلاة وهي تردد.. "اللهم أمده بجنود من عندك، هو جندي من جنودك، أمده بالقوة والثبات.. اللهم زلزل أقدام اليهود وأعمي أعينهم عنه"، بقيت هكذا طوال الليل..، وقالت للجميع: "محمد بحاجة أكون معاه في شدته". هديل تتابع أيضًا الأخبار، "أعلنوا في البداية عن استشهاده فأصابني انهيار عصبي، ولكن شيئا كان يراودني بأنه ما زال على قيد الحياة ". (تستذكر هديل تلك اللحظات).- كنت أدعو له بأن يحميه الله ويعمي عيون اليهود عنه، وأن يبقيه على قيد الحياة، فمن شدة حبي له لم أستطع أن أتمنى له الشهادة .. لكنه تمناها ونالها.
"رضاكِ يمّا" والشهادتان
وفي ساحة المعركة واجه محمد منفردا عشرات الآليات بينهم جرافتان عسكريتان، ونحو 500 جندي بينهم مختصون بسلاح الهندسة، وطائرة مروحية، وأخرى طائرة استطلاع. لكنه استخدم خطة إضاءة عن بعد، بحيث كان ينير الغرف الأخرى التي لا يتواجد فيها عن طريق ريموت تحكم، وهو يتنقل بين الطوابق بطريقة سريعة (حسب ما قاله شهود عيان في صوريف لزوجته)، أراد محمد من هذه الخطة التمويه لجيش الاحتلال، أنه ليس منفردا وأن عددا من المقاتلين برفقته، تواصل سرد التفاصيل.- كان في خارج الطابق الأسفل شجرة تين كبيرة، ولها جذع كبير، كان محمد يقفز من نافذة البيت ويطلق النار على الجيش، ثم يعود، ويطلق النار على الوادي حتى يظن الجيش أنه هرب، فيرسلون قوة هناك، فيطلق النار عليهم من جديد، كان يتلاعب بهم.
شهود بساحة الاشتباك
ولا تنسى أمه ما قاله لها صحفي جاءها وقال لها سأعطيك أمانة.. "فهو التقط صورا لشهداء كثر، ولكن لم يشم من قبل رائحة مسك كالتي خرجت من محمد وفق قوله، يقول: "كانت سورة الروم تصدح بجواره سجادة الصلاة، ووضع أهل القرية ذلك الحجر بمتحفٍ في البلدة، وأطلق اسم محمد على الطريق الذي حدث فيه الاشتباك".
مازال ذلك الصحفي يخفف عنها.. "الكل يفتخر بمحمد، فالجيوش العربية؛ لم تتحمل ست ساعات لكنه واجه الجيش الإسرائيلي سبع ساعات، استدرجهم باستخدام الدائرة الكهربائية التي تحكم بها عن بعد".تاج وردٍ
تعود هديل بذاكرتها إلى أيام خطبتها، طوال تلك الفترة حاولت الحصول على إجابة من محمد على سؤال حيرها كثيرا ..
- محمد على إيش انسجنت خمس سنوات ..هدا عمر؟
هديل .. بدي تعرفي الجانب الحنون مني أما الجانب القاسي ما بدي تعرفيه .. بكرا راح بتعرفي مين أنا.
في بيته كان لا يدخل محمد البيت إلا ومعه هدية لزوجته، إما هدية رمزية مميزة، أو مصاغ ذهبي، أو طعام، لا يترك أي مناسبة إلا ويفرح بها "هديله". كان من بين تلك الهدايا المميزة للزوج الرومانسي تاج ورد ألبسه لزوجته وأراد تشجيعها.. "عقبال تاج حفظ القرآن، هذا التاج يرمز لكل ذرة محبة لكِ.. أنتِ أميرة بالنسبة لي وإن شاء الله تحفظين القرآن وتلبسين تاج الوقار في الجنة". وطوال أحد عشر شهرا من الزواج، احتفظت هديل بكل شيء يخص محمد أو خصها به، من رسائل ورقية وهدايا، وتكمل الحديث.. أخبرني بأنه يخطط للانتقال من بيت في مدينة الخليل إلى نابلس، وأنه يريد أن يفتح مشروعا له هناك، أراد أن أبقى بالقرب من عائلتي لأن المسافة بين الخليل وقلقيلة تستغرق ثلاث أو أربع ساعات، أخبرها أيضاً.. "بدي أفتحلك مركز تعليمي تكوني أنت المديرة .. أنا مستحيل أتعامل مع النساء"، وحبا لزوجته مدرسة الفيزياء أخبرها بأنه سيسمه "مركز الهديل التعليمي". تقول هديل: "كان بيت أهلي محافظا ولا أخرج كثيرا، لكن محمد كان يقول لي: "بدي أخليك عايشة بالدنيا، فيخرجني دائما ليسر قلبي". أكنّ لأمه حبا كبيرا، فكل يوم يتصل للاطمئنان عليها أكثر من خمس مرات، تقول: إن عاد من العمل مرهقا ومتأخرا حتى إذا كانت الساعة الثامنة مساءً كان يذهب لزيارة أمه يوميا، هذا الأمر جعل زوجته تشفق عليه من كثرة صلته بأمه..
- ارحم حالك يا محمد.
أمي بالدنيا كلها ومالي غيرها.
تزوجا في التاسع والعشرين من آب/ أغسطس 2015م، واستمر زواجهما عشرة شهور إضافة إلى الشهر الذي طارده فيه الجيش الإسرائيلي، ولمحمد أربعة أشقاء ذكور، وسبع شقيقات، وزوجته حامل بطفل من المقرر ولادته آخر العام الحالي، ستسميه "محمد". الرياضة في حياة محمد عشق من نوع آخر، فمنذ صغره يتفاخر بجسده القوي وعضلاته، "في رمضان كان بعد صلاة التراويح وأحيانا بعد المغرب يذهب ليرفع الأثقال لمدة ساعة أو يزيد .. كان يعجبها اهتمامه بالجانب الصحي بنفسه.
- بعد أن حصل على شهادة علوم مالية ومصرفية من جامعة البولتيكنك في رام الله، أكمل دراسته في جامعة القدس المفتوحة في الخليل في تخصص إدارة أعمال، لم يتبق له إلا عام على التخرج، ولكنه أوقف ذلك بسبب الزواج، كان يطمح لأن يكون مديرا، كان يحب أن يكون قائدا أو مسؤولا لم يكن يحب أن يعمل عند أحد.
انتفاضة القدس اشتعلت فيه
كان كلامه يعطيها شحنات إيمانية، ويطلب منها أن تحفظ القرآن، ويسمّع لها سورة البقرة، تصفه بقولها: "كل من عرفه أحبه كثيرا، ولا يوجد شخص عرفه إلا ورجع وسأل عنه، لديه 50 شهادة من دورات وسلوك ولكنها لم تعجبه وأراد شهادة رب العالمين". وعلى أعتاب تشرين الأول عام 2015، عندما انطلقت شرارة انتفاضة القدس، اشتعلت الانتفاضة ذاتها في قلب محمد، "كان ينهمّ ويغضب عندما يرى شهيدا أو أسيرا ويظل في عالم آخر"، ولكن لم يخطر في بالها للحظة أن يخرج من محمد كل هذا.- في رمضان شعرت بتغيير ملموس فيه، صلاته مكثفة، حتى وصل عند سورة الروم كان يتم حفظها ومراجعتها، وبعد أن يعود من صلاة التراويح الساعة الحادية عشرة مساءً يقيم الليل حتى أذان الفجر.
- محمد بيعز عليّ أشوفك هيك حتى لو أنك خاشع.
أنا يا هديل مقصر في حق ربي.
ليش ما شاء الله عنك.. أحنا طيب ايش نحكي عن حالنا.
لا، يا هديل .. ربنا أعطاني كل شيء وراح أضلني مقصر في حق ربي حتى لو استشهدت ودمي نزل في سبيل الله.
كرر محمد هذه الكلمات كثيرا لزوجته، بدأت تشعر بشخصية محمد المقاومة، ذات مرة جلس الاثنان على التلفاز على إحدى القنوات المحلية، تلك القناة عرضت صورا لشهداء، فطلبت منه تغيير المحطة، أرادت إخراج زوجها من همومه، لكنه بهدوئه المعتاد رد عليها .. "لا لا، بدي أشوف"، لفتت انتباهه: "محمد هل انتبهت لمستقبلنا"، التفت إليها "انتبهي أنتِ قليلا"..
- الشهيد ما بينزعل عليه إذا استشهدت بدي أبنيلك قصرا في الجنة، بدي تيجي أميرة عندي .. الدنيا ما رحمتنا، الظلم واقع علينا يا هديل.
امتحان أراد اجتيازه
محمد من نعومة أظفاره لم يكن كأي طفل، كان يحب الجهاد، ويذهب ليلقي بالحجارة على الجيش الإسرائيلي، ويطارد الجيش، تأثر محمد عندما كان عمره أربعة عشر عاما باستشهاد ابن عمه أحمد الذي اقتحم مستوطنة "عتنائيل " قبل 14 عاما قتل هو ومقاوم آخر ثمانية مستوطنين.
وفي ذات يوم، وعند حاجز حوارة، أوقفه جيش الاحتلال وأخبره ضابط منهم .. "كنت على قائمة الاغتيالات"، كان محمد وهو على مشارف عامه الدراسي الثاني مستغربا: "وأنا إيش سويت ؟!"، كانت التهمة أنه يشكل نقطة تواصل بين جنوب الضفة وشمالها في حركة الجهاد الإسلامي. أخذوه إلى السجن وبقي 83 يوما في زنازين العزل الانفرادية، لأن أكثر من 200 اعتراف قدم عليه تفيد أنه ناشط في الجهاد، تلك الاعترافات أغضبت محمد، فكان لا يحب من يعترف من لحظات الاستجواب الأولى، ذهبت والدته لزيارته وهو في السجن مندهشة من ابنها.- محمد، كل هدا بيطلع منك.
ارفعي راسك يما.. فلسطين بدها شجاعة وصبر وثبات جعلنا الله من جنودها.
أمضى في السجن خمس سنوات حفظ خلالها القرآن الكريم وانتمى لصفوف حركة حماس، وخرج من السجن وعمره 24 عاما ونصف العام، فكان والده مريضا، عاش بجواره لمدة عام حتى توفي والده، تواصل: "كان حزينا وقال مش لازم تبكي الرجال ولكن بدي أبكي على أبي"، كان الوجع يخيم على كلامه .. "طلعت من السجن عشان أحس بسند الي ..أبوي كسر ظهري". "كنت مرتاحا ومع رجال "..هذا ما كان يخبر به محمد والدته عن حياته في السجن، ما زال كلامه يجول في ذاكرة "أم حسين" في آخر شهر له بينهم.. "ربي أعطاني السجن وسجنت، وخرجت وتعلمت وفتحها علي من أوسع أبوابه، ورزقني زوجة لا يوجد مثلها، وأعطاني سيارة وإيمانا وأهلا"، يحدث والدته: "هذا امتحان أريد اجتيازه لا أريد أن أرسب فيه" ..
- ارحمنا يا محمد.. ايش اللي بتحكيه.
لا أنا بأضحك معك.. بس لازم الإنسان يختار الأفضل، الدنيا لا تساوي جناح بعوضة.
كان يحزن على كل إنسان متكالب على الدنيا، محاولاً أن يجمع المال والسلطة، وهكذا نسدل الستار على قصة بطل من أبطال فلسطين وأسد من أسودها، أمضى حياته يهيئ نفسه لينضم إلى سجل البطولة والمجد التي يكتبها الفلسطينيون بدمائهم الطاهرة.
المصدر "يحيى اليعقوبي- صحيفة فلسطين"