تركيا - قدس الإخبارية: يصف الخبراء الانقلاب الفاشل في تركيا بأنه كانقلابات القرن العشرين، وأن ما ساعد في إنهائه هو اتباع تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين.
حيث قال الباحث والكاتب في الشؤون العسكرية في اسطنبول، جاريث جينكينز: "من الواضح أن هذا الانقلاب تم التخطيط له جيدًا لكن باتِّباع القواعد المتَّبعة في السبعينيات". فهو أشبه بذاك الحاصل في تشيلي عام 1973 أو أنقرة عام 1980، ولا يمت بصلة للدول الغربية الحديثة".
استغل المتمردون خروج الرئيس أردوغان في عطلة نهاية الأسبوع إلى أحد المنتجعات، فاستولوا على المطار الرئيسي وأغلقوا الجسر فوق مضيق البوسفور في اسطنبول وأرسلوا بالدبابات إلى البرلمان وأنقرة ولتسيطر على تقاطعات الطرق الرئيسية، كما وبثوا خطابًا على التلفزيون الرسمي TRT معلنين فيه حظر التجول ومحذِّرين الناس من الخروج من منازلهم.
لكنهم لم يقبضوا على أيٍ من قادة حزب العدالة والتنمية الحاكِم، ولم يغلقوا قنوات التلفزيون الخاصة، ولم يعطلوا شبكات الهاتف أو وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وبذلك فتحوا الطريق أمام أردوغان وأعوانه لدعوة أنصارهم للنزول إلى الشوارع لمقاومة الانقلاب.
حيث قال المحلل التركي "سنان اولجن" بأن أكبر خطأ وقع به المتمردون هو أنهم انشقوا عن القيادة العسكرية وبذلك لم يحصلوا على الدعم الكافي للسيطرة على مقاليد السلطة، وقال تعليقًا على ذلك: "لم تكن مخططات الانقلاب فعالة لأنهم فشلوا منذ البداية في الحصول على دعم أي منشأة أو قيادة عسكرية في تركيا".
وسائل الاتصال الحديثة
بالرغم من الاتهامات المتكررة لأردوغان بتكميم أفواه الصحافة والمذيعين، إلا أنه لجأ هذه المرة إلى وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة لنقل رسالته إلى ما يقارب 80 مليون نسمة من الأتراك للالتفاف على المتآمرين، وذلك باستخدامه تطبيق فيس تايم "Face Time" لبث فيديو على قناة سي ان ان التركية الخاصة، داعيًا فيه المواطنين الأتراك للنزول إلى الساحات والتصدي للمتآمرين.
رئيس الوزراء "بينالي يلديريم" أيضًا لجأ إلى وسائل الاتصال الحديثة بعد 20 دقيقة من إعلان الانقلاب، حيث ندد بالانقلاب على تويتر وأكد للشعب التركي بأن القيادة العُليا للقوات المسحلة لا تقف وراء التمرد الحاصل.
على مدار السنين السابقة، استخدم العديد من الثوار وسائل الاتصال الحديثة للتغلب على أعدائهم، مثل الكاهن البروتستاني مارتن لوثر الذي استخدم في عام 1517 المطبعة لنشر أطروحته التي تندد بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وآية الله الخميني الذي سجل صوته على الأشرطة السمعية ثم نسخها ونشرها في جميع أنحاء العالم لهزيمة الشاه في عام 1979.
جعلت وسائل الإعلام الحديثة من الصعب على الحكومات خمد أصوات المحتجِّين، على سبيل المثال؛ ما ساهم في تضخيم "الثورة الخضراء" في إيران ضد التلاعب المزعوم بالانتخابات الرئاسية عام 2009 هو تسجيلات الفيديو على الهواتف النقالة ونشرها على مواقع يوتيوب وفيسبوك وتويتر.
من الأمور الأخرى التي تصُبّ في رصيد دور وسائل الاتصالات الحديثة هي أنه من خلالها عرف الجمهور التركي والعالمي بأن الرئيس كان آمنًا ولم يكن تحت الاعتقال أو الإقامة الجبرية.
عبد الله جول، الرئيس التركي السابق، استخدم تطبيق "فيس تايم" أيضًا ليعبر عن معارضته لمدبري الانقلاب، كما وتحدث رئيس الوزراء السابق أحد داود أوغلو عن طريق الهاتف المحمول مع قناة الجزيرة واصفًا الانقلاب بالفاشل.
نضرب هنا مثالًا آخر للانقلاب الفاشل عام 1991 الذي نظمه المتشددون ضد الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، الذي تابع الانقلاب باستماعه إلى محطة بي.بي.سي الإذاعية "BBC" من مكتبه، عاجزًا عن التدخل في الأحداث التي استمرت في موسكو.
تمكن الانقلابيون من السيطرة على زمام الأمور لمدة 3 أيام، كسبوا خلالها اعترافًا من الرئيس الفرنسي حينها فرانسوا ميتران، وهذا قبل أن يحشد الرئيس الروسي بوريس يلتسين حشدًا شعبيًا ضد الانقلاب، بوقوفه فوق دبابةٍ في موسكو وتبويخه للحشود. إن الأحداث التركية مشابهة أيضًا لمحاولة الانقلاب على الديمقراطية في اسبانيا عام 1981 من قبل ضباط متمردين قاموا باقتحام البرلمان، إلا أن محاولتهم في الحصول على دعمٍ عسكري باءت بالفشل بعد قيام الملك خوان كارلوس ببث خطاب للأمة مرتديًا الزي العسكري ومناديًا باحترام الدستور.
وكما هو الحال مع الانقلاب السوفييتي، لم يعتمد قادة الانقلاب التركي إلا على المجندين الذين لم يعرفوا حقيقة مهمتهم كاملةً أو لم يتوقعوا مواجهة مقاومةً شعبية ولذلك استسلموا بسرعة. الخوف في عيونهم
وفيما يتعلق باستيلاء الانقلاب على قناة سي.ان.ان التركية، فلقد حاول المتمردون إخماد قناة سي.ان.ان التركية، المملوكة من قبل شركة أمريكية وأخرى تركية، كما وهبطت طائرة هليكوبتر تقل مجندين وضابط واحد لقطع بث القناة لكنهم لم يستطيعوا. حينها قاموا بإجبار من في الاستديو على إخلائه مؤقتًا، وعندما بثت القناة مرة أخرى على الهواء، وصفت المذيعة حالة الجنود بقولها: "كان الخوف واضحًا في عيون هؤلاء الجنود الشباب، ولم يكن هناك ما يوحي بإخلاصهم أو تصميمهم، فلقد طلبوا منا إيقاف البث لكننا قلنا لهم أن هذا غير ممكن، لم يتمكنوا من إيقاف البث، لذلك كان الاستديو الفارغ للقناة يُبَث على الشاشة طوال الوقت حتى استعدنا السيطرة."
أثناء تلك اللحظة، ظهر رجلٌ يرتدي قميصًا ورديًا وهو يتجول في الاستديو ويهتف "الله أكبر" لدعم أردوغان.
لم يلبث جميع زعماء أحزاب المعارضة الثلاثة طويلًا حتى أدانوا الانقلاب، وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في نشر دعوات التظاهر ضد الانقلاب، لم تكن وسائل الإعلام الاجتماعي الوحيدة التي دعمت فشل الانقلاب، بل إن الشخصيات الدينية الموالية للرئيس استخدمت لأول مرة مكبِّرات المآذن لحث الأتراك على الخروج إلى الشوارع باسم "الجهاد".
المصدر: جروزاليم بوست الإسرائيلية