احتل مؤخرًا خبر انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي شاشات العالم، وانقسمت الشعوب بين مؤيدٍ ومعارض، إلا أن الموقف بالنسبة للشعب الفلسطيني يأخذ منحىً آخر، حيث أنه وعلى الرغم من كَون بريطانيا من أكثر دول الاتحاد الأوروبي دعمًا للسياسة الإسرائيلية ضد فلسطين، إلا أن قضية انسحابها من الاتحاد الأوروبي قد تكون مصدر أملٍ في حشد دعمٍ أكبر للقضية الفلسطينية، حيث سبَّب هذا القرار غياب الصوت البريطاني الذي كان يدعم السياسة الإسرائيلية ويمنع مبادرات منظمات حقوق الإنسان الموالية للفلسطينيين والتي كانت تدعو إلى محاكمة "إسرائيل".
بدايةً؛ كشف انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مقدار العنصرية والكره الدفين في بريطانيا تجاه الأجانب والأقليات والمهاجرين في البلاد، إلا أن الكراهية والحقد تجاه المهاجرين والأجانب في البلاد لم يكن الدافع الوحيد وراء قرار الانسحاب البريطاني، بل إن الفصائل اليمينية المتطرفة ساهمت أيضًا في توجيه آراء الطبقة العاملة بدلًا من أن تكون ضد الحُكام والطبقة الحاكمة، إلى أن تكون ضد الطبقة الأكثر ضعفًا في المجتمع وهي: اللاجئين والمهاجرين.
إن المجتمعات الغربية المنبوذة تطالب منذ الأزمة المالية في العام 2008 بتحسين أوضاعها، وكذلك المجتمعات العربية منذ العام 2011، وفي كلتا الحالتين فإنه لم يتم تطبيق الديمقراطية بعد، حيث أن العديد من القوى السياسية تستغل هذه الاضطرابات بين الشعوب لمصالحها فقط ولتعزيز قبضتهم على المجتمعات، وإن هذه العملية التاريخية المستمرة ليست سوى في مراحلها الأولى.
وبالرغم من أن التصويت لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان للاحتجاج ضد استقبال المهاجرين، إلا أنه أيضًا ضد زيف وخبث السياسة ويدعو للتحلي بالشفافية وتقدير مطالب الشعب، حيث يشعر المواطنون بالحنق تجاه السياسات البريطانية غير الأخلاقية في الشرق الأوسط، فيما يتعلق بسياسة حكومة بلير في العراق ورئيس الوزراء دايفيد كاميرون في فلسطين.
ويكمن وراء الانسحاب البريطاني مطالباتٍ عديدة لاتِباع نوعٍ مختلف من الديمقراطية، لقد دمرت الليبرالية الحديثة العديد من المجتمعات الغربية ومجتمعات الشرق الأوسط، فإن التدخلات العسكرية والمتنوعة في الأنظمة القمعية العربية والإسرائيلية تسحق أي محاولة فعلية للوصول للديمقراطية التي تدعو إليها الشعوب. إن السياسات القمعية التي ساعدت الأنظمة العربية على تضييق الخناق على الربيع العربي هي نفسها التي ساعدت المشروع الاستيطاني في فلسطين منذ سنوات.
وبذلك فإن الجهود المتركزة ضد الليبرالية الحديثة ترفض تبعًا لذلك الاحتلال "الإسرائيلي" القمعي، لكنها تتطلب وجود شبكة كاملة من التضامن. وهذه تتضمن النقابات والنشطاء والائتلافات التي تدعو لوقف الحروب ونزع السلاح، بالإضافة إلى الجمعيات التي تنادي بحقوق المحرومين والمهمشين، والنضال الفلسطيني يجسد النضالَ العام من أجل العدالة الاجتماعية والأخلاقية، ولا يمكن أن ينحرف نتيجةً للأزمات السياسية الكاذبة.
إن المواقف الرسمية تجاه فلسطين بعيدة كل البعد عن مواقف الرأي العام الداعمة للحقوق الفلسطينية، إلا أن أي عملية من شأنها تقليل الفجوة بين صوت الناخبين والموقف السياسي الرسمي تجاه فلسطين، على الرغم من جميع الأخطار المذكورة آنفًا، هي أفضل بكثير من الوضع الراهن.
والسعي وراء جعل بريطانيا تتحلى بالمزيد من الديمقراطية يعكس بشكلٍ أكبر وأكثر صدقًا الآراء الشعبية البريطانية الداعمة لفلسطين. ونتيجةً لذلك فإن التغيير الديمقراطي يحمل آثارًا إيجابية لمستقبل العديد من الفلسطينيين ولحركة التضامن مع فلسطين، على الرغم من كونه كابوسًا في نظر المهاجرين والأجانب في بريطانيا، والذين سيعانون من التفرقة العنصرية والطرد أحيانًا.
إن هذا القرار ليس إلا جزءًا من عملية مستمرة انبثقت منذ الأزمة المالية في 2008، وستتبعها المزيد من العمليات والقرارات السياسية.
في حين أنه من المبكر جدًا إصدار القرارات، إلا أننا واثقين بأن بلدًا مثل فلسطين لا يستفيد إلا من أحداث قوية كهذه؛ على الرغم من خيبات الأمل المتلاحقة وعدم توازُن القوى، فإن السياسة والدبلوماسية ليستا الحل المناسب للقضية الفلسطينية.
وفي هذا الصدد فإن مصلحة فلسطين تكمُن في مواقف مجموعتين من الأجيال البارزة فيما يتعلق بقرار الانسحاب البريطاني: جيل الشباب (ما بين 18-24 عاما) وجيل الكبار (ما بين السبعينات والثمانينات). إن هذين الجيلين منخرطان بشكلٍ عميق في النشاطات الغربية الداعمة لفلسطين، فهم يشكِّلون معا مجموعة قوية تعمل بالفعل على زعزعة قوى الليبرالية، وما يوحدهم هو اشمئزازهم من السياسات البريطانية الاقتصادية والاجتماعية والخارجية.
وعلى الرغم من أن أغلب من صوتوا لصالح بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي هم من فئة الشباب، إلا أن غالبيتهم لم يصوتوا على الإطلاق.
وفي حين أن 40% من جيل الكبار صوَّتوا لصالح البقاء إلا أن أغلبهم أبدوا الحيرة والارتباك من قرارهم بعد ذلك، يدفعنا هذا إلى الاستنتاج بأن الدافع وراء التصويت لصالح الانسحاب هو للتعبير عن احتجاج ديمقراطي ضد السياسة التي تودي بحياة الآخرين.
إن جيل الشباب وجيل الكبار هما الناخبين الرئيسيين لصالح فلسطين، فهم لا ينخدعون بسهولة بتزييف الليبرالية الحديثة للأزمات السياسية، كتلك التي اختلقها رئيس الوزراء كاميرون من أجل الفوز في الانتخابات الماضية.
باختصار، إن المطالبة بسياسة أكثر شفافية وأخلاقية وديمقراطية ليس بوسعه إلا تعزيز دور القضية الفلسطينية. منذ عام 2011 و"إسرائيل" تخشى مظاهرات ونداءات تطبيق الديمقراطية في العالم العربي، وهذه هي نفس المطالب السائدة في العالم الغربي لتطبيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية الأخلاقية، وهي أملنا الوحيد في تقليص الفجوة بين الآراء الشعبية المؤيدة لفلسطين والسياسات الأمريكية والأوروبية الرسمية، فمن خلال جمهورٍ أوسع يمكننا أن نتحدى السياسات الإسرائيلية الإجرامية في فلسطين.
المصدر: موقع الانتفاضة الإلكترونية - ترجمة: نسرين الخطيب