شبكة قدس الإخبارية

القائمون على فكرة توزيع المساعدات بغزة عبر شركات خاصة.. في أي وحدات عسكرية واستخباراتية خدموا؟

٢١٣

 

Screenshot 2025-05-25 080714

ترجمة خاصة - شبكة قدس: كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" في تحقيق موسّع أن فكرة تسليم توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة إلى شركات خاصة، جاءت في الأصل من ضباط احتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي ورجال أعمال إسرائيليين، سعياً لتجاوز الأمم المتحدة التي يعتبرها الاحتلال "عدائية". ووفقاً للتحقيق، فإن هؤلاء الضباط خدموا سابقاً في وحدة تنسيق أعمال حكومة الاحتلال في الأراضي المحتلة، تحت قيادة رومان غوفمان، الذي بات لاحقاً السكرتير العسكري لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو.

على مدى شهور الحرب على غزة، كانت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية هي من تتولى الإشراف على توزيع المساعدات، نظراً لخبرتها الميدانية. لكن وفق الصحيفة، يستعد الاحتلال لنقل هذه المهام إلى شركات حديثة النشأة وغامضة التمويل، ضمن خطة توصف أمميًا بأنها "خطيرة". وتظهر خلف هذه الخطة ما تُعرف بـ"صندوق المساعدات الإنسانية لغزة" (GHF)، الذي تُديره جهات أميركية خاصة، أبرزها جاك وود، وهو جندي مارينز سابق، إلى جانب شركة أمن خاصة يرأسها ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) يُدعى فيليب رايلي، الذي سبق له أن درّب مليشيات متطرفة في نيكاراغوا، وشارك في عمليات أميركية في أفغانستان.

تشير الصحيفة إلى أن الجهة الأمنية التي ستتولى تنفيذ الخطة على الأرض هي شركة "سيف ريتش سوليوشنز" التي يقودها رايلي، بينما تتكفّل "GHF" بتمويل المشروع. وتزعم هذه الأطراف أن المشروع مستقل عن الاحتلال، لكن المعطيات تفيد بعكس ذلك. فالخطة وُلدت في أحضان ما يُسمى "منتدى مكفيه إسرائيل"، وهو تجمع لجنود احتياط ورجال أعمال اجتمعوا لأول مرة في كانون الأول/ديسمبر 2023، قرب تل أبيب، وبدأوا بصياغة تصوّر يقوم على تجاوز الأمم المتحدة وتوظيف متعهدين أجانب لتوزيع الغذاء داخل غزة، بما يتماشى مع أجندة الاحتلال.

الهدف المُعلن لهذا المشروع هو "إضعاف سيطرة حماس على القطاع" عبر منع الغذاء من الوصول إلى السوق السوداء أو إلى الحركة نفسها، وتوجيهه بدلًا من ذلك إلى مناطق تقع تحت سيطرة جيش الاحتلال. لكن الأمم المتحدة حذّرت من أن هذا النموذج سيقلّص من نطاق توزيع المساعدات، ويُعرّض حياة المدنيين للخطر عبر إجبارهم على عبور مناطق خاضعة للاحتلال بحثاً عن الغذاء، كما أنه قد يُستخدم ذريعة لتهجير الفلسطينيين من شمال القطاع إلى جنوبه، حيث تقام مراكز التوزيع.

التحقيق يسلط الضوء على شخصيات محورية في هذا المخطط، بينهم يوتام كوهين، وهو مستشار استراتيجي وابن جنرال احتياط في جيش الاحتلال، وقد عمل مساعداً لغوفمان داخل وحدة تنسيق أعمال الحكومة. إلى جانبه، برز اسم ليران تانكمان، رجل أعمال في قطاع التكنولوجيا، ومايكل أيزنبرغ، أحد كبار المستثمرين في صناديق رأس المال الإسرائيلية. هؤلاء الثلاثة شاركوا في ورشة تفكير نظمت داخل مدرسة "مكفيه إسرائيل"، وشكّلت النواة التي أطلقت المشروع.

وكان كوهين قد نشر في حزيران/يونيو الماضي مقالاً في مجلة تابعة لجيش الاحتلال، دعا فيه إلى "تفكيك سيطرة حماس" عبر التعامل المباشر مع سكان غزة، وتولّي الاحتلال بنفسه إدارة المساعدات وبناء سيناريو "اليوم التالي" لحماس ميدانياً، من دون انتظار حل سياسي. واعتبر أن الاعتماد على المنظمات الدولية منح حماس فرصة التحكم في توزيع الغذاء، ما يحتم "خصخصة" المهمة وتسليمها لشركات أمنية أجنبية.

ورغم وجود عروض من شركات أمنية أخرى، فإن رايلي كان الخيار المفضل بسبب خلفيته العسكرية واتصالاته مع جيش الاحتلال الإسرائيلي. وأكد في مقابلة صحفية أنه بدأ بالتواصل مع مسؤولين إسرائيليين في مطلع 2024، والتقى مع أيزنبرغ وتانكمان. شركته الأمنية بدأت فعلاً بالعمل داخل غزة في كانون الثاني/يناير، خلال فترة وقف إطلاق النار المؤقتة، حيث تولّت مهمة تفتيش السيارات الفلسطينية بحثاً عن أسلحة.

بحسب الوثائق، رايلي سجل شركتين في الولايات المتحدة: الأولى هي صندوق المساعدات "GHF"، والثانية هي "سيف ريتش سوليوشنز" التي تتولى الحماية الميدانية. ويقول جاك وود إن الصندوق لا يسعى للربح، وإنه سيتولى دفع أجور الشركة الأمنية. لكن رغم ذلك، لم يتم الكشف عن الممولين الأساسيين، ما يُثير تساؤلات كبيرة حول الأجندات التي تقف خلف هذه الخطوة.

ما يظهر من هذا التحقيق أن المشروع، الذي بدا كأنه مبادرة إنسانية مستقلة بقيادة أميركية، هو في جوهره خطة إسرائيلية تهدف لإعادة تشكيل الواقع الإنساني في غزة بما يخدم أهداف الاحتلال، تحت غطاء من "الحياد" و"الخصخصة"، وبعيداً عن رقابة الهيئات الدولية.