شبكة قدس الإخبارية

عبدالله العجلوني عاش شهيدا مع أمه وأبيه

شيراز ماضي

الخليل – قُدس الإخبارية: بعد فجر يوم السبت 19/آذار/2016، سمع صوت خطوات تتلاحق في الطابق العلوي، قال أبو أمجد لزوجته: "ابصر شو في فوق بغرفة عبد الله، روحي شوفي ليش صاحي بدري؟". توجهت أم أمجد إلى الطابق العلوي حيث غرفة عبد الله ووجدته مستيقظاً ومرتدياً ملابسه، فسألته: "ليش صاحي يما بدري؟"، لم يجبها، بل قبّل يديها ووجهها، وغادرت.

لاحقا؛ في الملحمة ساعد عبدالله والده.. تناول الشاي الذي حضره بنفسه معه، وجلس قليلاً يحدق بوالده، ثم خرج إلى ورشة التدريب لتخصص كمبيوتر السيارات في مدينة الخليل. وما هي إلا دقائق معدودة حتى سمع سكان حي جبل جوهر في المنطقة الجنوبية من مدينة الخليل طلقات رصاص كثيفة، في تلك اللحظة صرخ أبو أمجد: "هذا عبد الله ابني استشهد!".

على بعد عدة خطوات من الملحمة ركض أخ الشهيد عبد الله إلى والدته الموجودة في البيت، وقال لها: "تعالي يما شوفي شو بقولوا تحت، بقولوا عبد الله استشهد". هرولت الأم إلى الأسفل حتى تجد زوجها يجهش بالبكاء ويصرخ قائلاً: "هذا ابني عبد الله استشهد"، قبل أن يصل الخبر اليقين باستشهاده فعلاً. هنا اغرورقت عينا أبو أمجد بالدموع ولم يستطع إكمال حديثه.

13578778_921392314650833_1761405984_n

استشهد عبد الله عايد العجلوني (16 عاماً) على حاجز أبو الريش المقام قرب المسجد الإبراهيمي، بعد ان أطلقت قوات الاحتلال تجاهه 18 رصاصة اخترقت سائر جسده، فاستشهد فورا. وادعت أنه طعن أحد الجنود على المتواجدين على الحاجز.

بعد الصف العاشر، توجه عبدالله إلى معهد بوليتكنك فلسطين لدراسة تخصص "كمبيوتر سيارات"، إلا أن الدراسة لم تشغله قط عن مساعدة والده في عمله، أو مساعدة كل من يحتاج المساعدة. وتقول والدته إنه كان خدوماً لجميع سكان المنطقة، لا يرفض لهم طلباً، "فهو الطفل المحبوب، والمبتسم دائماً".

وتضيف أم عبدالله، أن ابنها كان رجلاً منذ أن كان طفلاً، وتذكر أن مديرة الروضة كانت تقول لها: "ما شاء الله عليه، عبدالله رجل حتى من صغره"، موضحة أن عبد الله كبر حتى استوى عظمه، وسبق أبناء جيله جسداً وعقلاً وتفكيراً.

13550932_921392354650829_986612516_n

كان عبدالله ذو مكانة في قلب والده، وجميع طلباته مستجابة دائماً، وقد طلب قبل استشهاده من والده جهاز كمبيوتر موصول بالانترنت ليساعده في تخصصه، فلبى له طلبه لتشجيعه في دراسته، كما التحق عبدالله بنادي الحديد في المدينة، كما طلب.

وكان الوالد كثيراً ما يمازح ابنه قائلاً له: "اشريت لك الذهب، وبيتك جاهز، ضل بس العروسة، انت اكبر عشان نزوجك"، أما عبد الله فكان يكتفي بالابتسام فقط.

واعتاد أبو أمجد أن يصطحب معه عبدالله في المناسبات الاجتماعية والعطوات العشائرية والأفراح، ليتعلم منه ذلك، وكان يمازحه قائلاً: "يابا أنا كبرت وختيرت هلأ دورك تصير مكاني". لكن قبل ثلاثة أشهر من استشهاد عبدالله، شعر والده بأن قلبه مقبوض على ولده، وكان دائما ما يقول لزوجته: "والله حاسس رح يصير اشي بعبدالله هالفترة".

وتقول أم عبدالله: "راودني هذا الشعور طيلة ثلاثة أشهر، حتى أنني رأيت وجهه جميلاً جداً قبل استشهاده بليلة واحدة، حين جمعنا في تلك الليلة وحضر الشاي لنا بنفسه، وقلت في نفسي، ما شاء الله عليه، منور زي البدر".

واستدعى ضابط في مخابرات الاحتلال والد الشهيد فور استشهاده وحقق معه عن ابنه محاولا الوصول إلى نتيجة تفيد بأن عبدالله نفذ عملية الطعن بسبب حالة يأس أو إحباط أو مشاكل نفسية.

ويقول والد عبدالله: "سألني إن كان يريد بنت لخطبتها وأنت رفضت؟ فقلت له ما زال عمره 16 سنة! فسألني هل اختلف معك أو تشاجرتما؟ قلت له لا أبداً، فعلاقتي معه طيبة جداً، فسألني ماذا تتوقع أن يكون سبب ما فعله ابنك؟ أجبته ابن خاله أمير الجنيدي استشهد قبل أربعة أيام، وقد يكون تأثر به".

والشهيد عبدالله ليس أول شهيد يُفجع به "أبو عبدالله"، فشقيقه ارتقى عام 1977 عندما دهسته سيارة تابعة لجيش الاحتلال مع ثلاثة من أصدقائه. كما استشهد أيضاً ابن شقيقه بهاء عام 2007، أما زوجته "أم عبدالله" فلم تكن قد أنهت حدادها بعد على ابن شقيقها أمير الجنيدي، عندما ارتقى ابنها عبدالله.