جنين – خاص قُدس الإخبارية: تنادي رفيف: "بدي ماما" وتبكي خوفا على أمها، أو ألما من إصابتها، لكن لا أحد يجيبها على ندائها، بينما يواصل الطبيب محاولاته جاهدا لتقديم العلاج لها من إصابتها في قدمها. يتبرع فلسطيني تواجد بالمستشفى لمساعدة الطبيب في تمكينه من تقديم العلاج لرفيف، لكن دون جدوى.
يقول الشاب لرفيف: "عدي للعشرة لعمو الدكتور.. شوفي هالرسمات الي انت رسمتيهن، بكرا بنوخذك على اسطنبول تشوفيهن"، فتجيب رفيف باكية: "لاا ما بدي اسطنبول، بدي ماما.. بدي ماما". ولا يمضي وقت طويل حتى تؤكد مصادر رسمية أن "أم رفيف" ارتقت شهيدة.
الجريمة هذه المرة ليست في فلسطين وإن كانت رفيف وأمها فلسطينيتين، والجناة لم تعرف هويتهم حتى الآن، فربما لا يكون القاتل هذه المرة إسرائيليا كما اعتاد الفلسطينيون، أو لعله يكون على صلة بـ"إسرائيل" أيضا، إذ لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم الانتحاري المزدوج الذي وقع في مطار أتاتورك بمدينة اسطنبول التركية، مساء أمس الثلاثاء.
يدور الحديث، وفقا لمصادر رسمية تركية، عن 50 قتيلا تقريبا، فيما تتحدث المصادر الفلسطينية الرسمية عن شهيدة وستة مصابين بينهم طفلة حالتها صعبة، إضافة لمفقودين بينهم طفل.
الشهيدة هي نسرين هاشم حماد (28 عاما) من بلدة عرابة قضاء جنين، وهي أم لطفلة واحدة (رفيف 4 سنوات)، ومتزوجة منذ خمسة أعوام من فلسطيني ينتمي لقرية كفر راعي قضاء جنين، ويعمل في المملكة العربية السعودية.
وتفيد صديقة مقربة من الشهيدة، أنها تعمل معلمة وتقيم مع زوجها وابنتها في مدينة جدة السعودية، وقد اعتادا على السفر للسياحة من حين لآخر، واختارا دائما تركيا وماليزيا، غير أن رحلتهما لتركيا التي يعرفانها جيدا هذه المرة كانت مأساوية، بل الأخيرة للأم، ولعل الزوج المفجوع بزوجته لن يجرب بعدها السياحة أيضا.
وأدى الهجوم الانتحاري لإصابة مروان أبو صالحية زوج نسرين، وقد وصفت حالته بأنها متوسطة. وإلى جوار سرير الشفاء الذي يرقد عليه في المستشفى؛ ترقد طفلتهما رفيف التي أصيبت بشظايا في قدمها، وحالتها مستقرة.
[caption id="attachment_95518" align="aligncenter" width="600"] صورة أرشيفية لمروان وطفلته رفيف[/caption]وباختصار تصف صديقة الشهيدة صديقتها قائلة: "فش أحسن منها"، وتضيف أنها ورغم مرور سنوات على سفرها، إلا أنها كانت دائما على تواصل مع صديقاتها في جنين، وكلما حضرت في زيارة إلى البلاد تبادلت وإياهن الزيارات واللقاءات.
وتضيف صديقة أخرى للشهيدة، أن نسرين أدت العمرة مرتين خلال إقامتها في السعودية مؤخرا، وأنها اعتادت الحضور إلى فلسطين في شهر رمضان المبارك لقضائه مع عائلتها، إلا أنها هذا العام قررت قضاءه في السعودية لتعيش أجواءه هناك بالقرب من الكعبة المشرفة وقبر النبي محمد.
ومع دخول العشر الأواخر من رمضان؛ قرر مروان اصطحاب زوجته وطفلتهما في رحلة إلى تركيا، على أن يتوجها من هناك فورا إلى جنين لقضاء عطلة عيد الفطر السعيد مع عائلتيهما، إلا أن العيد للعائلتين لن يكون سعيدا مطلقا هذه المرة بعد أن فجع الزوج والابنة بنسرين.
وحسب مصادر تركية، فإن ثلاثة انتحاريين تسللوا إلى مطار أتاتورك في اسطنبول، وفتحوا النيران بشكل عشوائي ثم فجروا أنفسهم، موقعين نحو 50 قتيلا و150 مصابا، بينهم عدد كبير من الأجانب (غير أتراك).
وتقول مصادرنا، إن نسرين كانت قد وقفت بعيدا عن زوجها وطفلتها، وعلى مرأى منهما، وانشغلت بالحديث مع صديقة لها حضرت معهما من السعودية لغرض السياحة أيضا. وفي تلك اللحظة فجر أحد الانتحاريين نفسه بالقرب من الصديقتين، لترتقي نسرين شهيدة فيما لم تُعرف أي معلومة عن صديقتها التي نتحفظ على هويتها.
ومازالت عائلة الشهيدة في جنين عاجزة عن استيعاب الفاجعة التي باغتتها في وقت كانت تنتظر فيه أخبارا سارة عن رحلة ابنتها السياحية، على أن يتبعها لقاء وعناق بالابنة والحفيدة و"الصِّهر" أيضا.
وكان صحفيون فلسطينيون في تركيا أفادوا بأن الطائرة التي أقلت الشهيدة نسرين وعائلتها من السعودية، أقلت أيضا عائلات فلسطينية أخرى، مؤكدين أن بين المستهدفين عائلة فلسطينية تنتمي أصلا لقطاع غزة وتقيم في السعودية، ومن بينها فتاة (17 عاما) أصيبت في صدرها وتمزقت رئتها، وقد وصفت حالتها بأنها صعبة لكنها مستقرة.