خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، أهدى محمود عباس للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، هدية تذكارية، عبارة عن نسخة مؤطرة بالذهب من صحيفة (باليستاين بوست / The Palestine Post). تمثل بعضاً من تاريخ فلسطين! (على ذمة وسائل اعلام السلطة). المفاجأة التي ظهرت ان هذه الصحيفة "صهيونية"، ولم تكن فلسطينية.
فبعد أن اصدرت بريطانيا وعد بلفور، وصك الانتداب قررت إنشاء حكومة مدنية فيها، وعينت هربرت صاموئيل (أحد زعماء الصهيونية) مندوباً سامياً في فلسطين، وكانت الحكومة البريطانية معنية بترقية وتعميم المواصلات والاتصالات »بما يخدم مصالحها«، لذلك؛ فقد كانت معنية بشكل أساسي بالصحافة كأحد أشكال الاتصال الجماهيري.
في هذه الفترة تم تأسيس عده صحف صهيونية. يقول المسيري في موسوعته، عند حديثه عن ماير جروسمان: وفي عام 1919، شاركه جيكوب لانداو في إنشاء مكتب الاتصالات اليهودي. وأسَّس عام 1925 نشرة كانت تَصدُر باللغة الإنجليزية في القدس بالستاين بوست، والتي تحوَّلت فيما بعد إلى جيروساليم بوست.
ولكن الأصل أن الصحيفة كان اسمها (Palestine Bulletin). وفي بداية عام 1932، بدأت تصدر بالاسم الجديد (باليستاين بوست / The Palestine Post).
وكُتب في عددها الأول أنّها استمرار لصحيفة (Palestine Bulletin)، وجاء في افتتاحيتها: "هدفنا هو أن نقدّم للجمهور في أرض إسرائيل صحيفة عبرية باللغة الإنجليزية، وأن يكون مسؤولو الإدارة البريطانية في فلسطين قادرين على فهم الشؤون اليهودية والصهيونية. بالإضافة إلى ذلك، هدفنا هو توفير معلومات يومية حول أعمال اليهود وتطلّعاتهم في الشتات وفي البلاد".
ومن الجدير بالذكر، ان الصحف الصهيونية التي كانت تصدر في فلسطين اجمعت على الأتى:
ــ رفض المس باهداف الوجود اليهودي في ارض فلسطين الذي كان توطئة لاقامة الدولة اليهودية المنشودة.
ــ الدعوة لتكثيف الهجرة اليهودية الى ارض فلسطين.
ــ مساندة حق اليهود في البناء والسكن في أي بقعة من ارض فلسطين.
ــ رفع شعار »العامل العبري« من اجل تكريس اعتماد الوجود اليهودي على نفسه وليس على الاغيار.
وقد اتّخذت صحيفة (باليستاين بوست / The Palestine Post)، هذا الخط الداعى لإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين، وكما اتّخذت خطّا علنيا وعدائيا ضدّ التقييدات التي فرضها الحكم البريطاني على هجرة اليهود فلسطين.
فقد هاجمت صحيفة (باليستاين بوست / The Palestine Post)، في عددها الصادر في يوم 29 نيسان 1941، حكومة الدفاع الوطني العراقي، لأنها منعت اليهود الايرانيين من الهجرة إلى فلسطين، حيث قالت: "هناك بعض المهاجرين اليهود في ايران، ولديهم شهادات هجرة إلى فلسطين، ولكنهم لم يستطيعوا ذلك بسبب رفض الحكومة العراقية منحهم تأشيرة مرور".
وبسبب موقف الصحيفة العدائية تجاه فلسطين، قررت المقاومة الفلسطينية بقيادة القائد عبد القادر الحسيني، نسف مقر الصحيفة، فقد كتبتت صحيفة المصري، بتاريخ 18/2/1948، ما يلي: لقد تحدث القائد عبد القادر الحسيني عن نسف المباني في فلسطين فقال: «ان العرب لم يقدموا على مثل هذه الاعمال الا ردا على عدوان اليهود، مع مراعاة إحداث اقل عدد ممكن من الاصابات بين النساء والاطفال المدنيين على وجه العموم، ولكن اعداءنا اليهود يواصلون عدوانهم وأعمالهم الخسيسة، ونحن نضطر ازاء ذلك الى أن نلقي عليهم دروسا قاسية، واذا ما أصروا على اتباع اعمالهم العدوانية الخالية من الشجاعة، فسنريهم اننا قادرون على نسف مبانيهم اذا شئنا، وأذكر هنا حادث نسف جريدة بالستاين بوست، فقد أمرت بأن يراعي العرب عدم اصابة أحد لا تدعو الضرورة لاصابته. وقد قمت بدراسة هذه المنطقة بنفسي، وأمرت بألا يبدأوا عملهم الا عند التأكد من خلو المبنى من الاشخاص".
ولما سئل السيد عبد القادر الحسيني عن الحركة المقبلة التي يضطلع بها، أبى ان يصرح بأكثر من ذلك.
اما جريدة الشرق، بتاريخ 22/2/1948، فقد كتب أحد المراسلين الذين أجروا مقابلة صحفية مع القائد العام يقول: "لقد انتقل العرب من طور الدفاع الى طور الهجوم، والعرب اليوم سواء أكانوا في القدس أو يافا أو بقية القرى العربية هم الذين يبادئون بالهجوم، وذلك بالرغم من قلة أسلحتهم بالنسبة لاستعدادات الصهيونيين، ولكننا نحن أقوى منهم بكثير".
ثم أخذ يعدد لي أمثلة عن آخر ما تلقاه من تقارير عن المعارك وعن تفوق العرب في هجوماتهم، ثم أوضح القائد الحسيني كيف أن رجاله حين قاموا بنسف بناء جريدة البالستاين بوست، راعوا عدم وجود عمالها.
وبتاريخ 16/4/1948، كان العنوان الرئيسي للصحيفة: «STATE OF ISRAEL IS BORN»، أي "ولادة دولة إسرائيل". ثم بعد النكبة وتأسيس الكيان الصهيوني، في حوالي عام 1950، أطلق العدو على الصحيفة، اسم "جيروزاليم بوست".
وفي نهاية المطاف، أتوجه بالسؤال الآي إلى محمود عباس، كيف تعتبر صحيفة صهيونية، تمثل بعضاً من تاريخ فلسطين! وأنت الحاصل على الدكتوراة في تاريخ الصهيونية!!