«الله معي يا دارنا، يا زينة البلدان، تختر على ترابك قوافل خيرة الفرسان، فيكي اللي شايل عالكفوف كفنو ولا همو، فيكي اللي سجانو ارتوى من مرجلة دمو».
هذه الكلمات من شارة مسلسل «الفدائي»، في الجزء الثاني، بصوت الفنان «عدنان الحلاق»، توحي بما سيتم عرضه في المسلسل، الذي تنتجه قناة «الأقصى» الفضائية، في قطاع غزة، للمخرج «محمد خليفة».
وفعلًا، عندما يبدأ البث، وتتابع الحلقات، سواء في الجزء الأول، أو الثاني، تجد أنه يطرح الواقع الفلسطيني بكل تجرد، وغناء الشارة كافٍ؛ لأن يترك انطباعًا عن هدف المسلسل.
في المسلسل، نجد «الحارة الفلسطينية، وبائع الكعك، وسوق الخضار، والمدرسة، والديوان، ومكتب المحامي، وأهل الحارة»، الذين يخوضون صراعًا مع المستوطنين، الذين تدفع لهم الأموال، وتوفر لهم الحماية الإسرائيلية؛ لأجل كسر شوكة المواطن الفلسطيني، وإرهاقه من كثرة المؤامرات.
أثناء الصراع يسقط الشهداء، ويعتقل المقاومون, وتحرق البيوت، بمن فيها، من كبار وصغار، تصادر الأراضي، تعيث قطعان المستوطنين فسادًا لا آخر له، ويبتكر «الصهاينة» طرقًا للانتقام من أهل الأرض بشكل غريب. وتشن حرب على قطاع غزة، وينتصر المجاهدون، ويقتل ضباط «الشباك» الإسرائيلي…إلخ.
اللافت في المسلسل، والذي يستحق التأكيد عليه باستمرار، أنه يأتي في ظل أعمال قدمت اليهود في الشام ومصر بطريقة لينة وطيبة، دون الإشارة ـ بالقدر الكافي ـ إلى مساوئهم، لاسيما مع «الشقيقة» فلسطين.
وهناك شيء؛ ربما الأحداث التي يستعرضها المسلسل، ليست جديدة على الفلسطينيين؛ هم يعيشونها يوميًا، وربما بصورة أفظع وأشد من الكلام المكتوب في «السيناريو»، لكن الواضح أن المسلسل، من خلال القناة، وموقع «يوتيوب»، يخاطب الجمهور العربي، الذي رفضت قنواتٌ التفاعل مع هذا المسلسل؛ بحجة أنه يخالف سياسات لديها، بينما تبثه قناتا «الزيتونة، واليرموك».
نحن، الفلسطينيين، نتابع المسلسل، مع أننا عايشنا تفاصيله، ومع كل دقيقة نستعيد المأساة التي صنعتها إسرائيل حولنا، ونأمل أن يتابع المشاهد العربي المسلسل، ويدعم خيار المقاومة في فلسطين، المسلسل ليس نوعًا من الترف، ولا من زوائد الأعمال، إنما يجب أن يكون عملًا ـ في المرتبة الأولى ـ لكل من يريد التعرف على فلسطين، ومرجعًا للتعرف على معاناتها المتكررة، التي هي أكبر من حجم خبر تتناقله وسائل إعلام كثيرة.
ويذكر أن الصدام الناعم الذي يحدثه مسلسل الفدائي في العقول العربية سيؤتي أكله بشكل تراكمي، وسينجح في تحقيق خلخلة في جدار الجهل بالقضية الفلسطينية، والتغاضي عن دعمها بأي صورة، وسيكسر حواجز للخوف وللصمت كذلك.
وهنا ـ ربما ـ يقول البعض إن المسلسل يعاني من ضعف في إمكانياته الفنية، بدءًا من السيناريو، وصولًا إلى الأزياء، و«الديكور»؛ لهذا لا يجذب المشاهدة؛ في ظل سباق «درامي» عربي، لكن كل هذه الأشياء لا تأتي في يوم وليلة، عمر الدراما في قطاع غزة صغير جدًا؛ مقارنة مع الدراما العربية، وتقديم المضمون الهادف، والداعي إلى إحياء ثقافة الالتفاف حول خيار المقاومة، وتوحيد البوصلة نحو العدو الغاصب، في ظل ضياع لبوصلة الأمة، أكبر من الوقوف عند بعض التفاصيل، التي ـ ربما ـ لو لم يكن هناك حصار شامل يغرز خنجره في خاصرة القطاع لانفتاح السوق الفني، وخرجت الكفاءات للتطوير، أو وفدت كفاءات للمساعدة في تقديم صورة فنية أفضل.
وربما يقول البعض ـ أيضًا ـ إن المسلسل يسيء للفلسطينيين؛ لأنهم لم يلتزموا بأدبيات الخطاب الغربي في عرض صراعهم مع المحتل، الذي لا يعده العالم محتلًا، إنما صاحب حق معترف به، لكن ـ أيضا ـ المسلسل في الجزء الثاني، لم يترجم لأية لغة بعد.
وقناة الأقصى الفضائية لا تصل في البث إلى أمريكا مثلًا. فهو في هيئته هذه يخاطب الجمهور العربي؛ طالما أن محتواه بالعربية، ونطاق بثه الفضائي في المناطق العربية، وأعتقد أن الجمهور العربي معترف أن الفلسطيني صاحب حق، حتى لو تخاذل عن نصرته. وإن كان هناك البعض، لاسيما في دول الخليج الذي يشمت في الفلسطينيين، في حروبهم، وفي حصارهم، ننصحهم بالمشاهدة؛ علّ العمل يزيل الغشاوة عن قلوبهم.
كما لا يفوتني الحديث عن طاقم المسلسل، على مدار أكثر من سبعة أشهر، في ظروف صعبة، وهو يعمل؛ لأجل إخراج المسلسل, ومفاجأة الجمهور به في الموسم الرمضاني، 7 أشهر، أو أكثر قليلًا، أو أقل، ليست كافية؛ للخروج بمسلسل أكثر من 30 حلقة خاليًا من القصور، وهنا يحسب الجهد لإدارة القناة؛ أنها التزمت بوعدها للجمهور، بعد انتهاء الجزء الأول، في الموسم الماضي، أن تستكمل الجزء الثاني هذا الموسم.
فضلًا عن خلو القطاع من معاهد لإعداد الممثلين والفنيين، بخلاف الدول الأخرى التي يتخرج أبطالها من جامعات أوروبية، فما قدمته القناة، في ظل ما يتاح لها، خطوة في طريق صحيح، يبنى عليها، لا تستحق، إلا كل دعم، ومؤازرة من الجميع؛ فالفدائي ليس عملًا لقناة الأقصى؛ هو عمل يتشرف به كل فلسطيني، يعرف ماذا يعني أن يحرق طفل وهو حي، أو أن تصادر أرض الأجداد، أو أن يأخذ حكمًا بالمؤبد في سجون لعينة.
والجميل في الأمر، هو البطولة الجماعية، في محوري الخير والشر، في الضباط الصهاينة هناك أبطال، وفي الفلسطينيين هناك خلايا فدائية. وهذه إضافة جديدة على صعيد الشخصيات في السيناريو.
وتجدر الإشارة إلى أن المسلسل ما زال في حلقاته التمهيدية العشر الأولى، لم نشهد ذروة الصراع بعد، ننتظر ما خبأه لنا مؤلفاه «أحمد داود، وحافظ فارس».
في الختام، وهو المهم، أن المسلسل يقدم الهم الفلسطيني، الذي غاب فنيًا عن الساحة العربية، ويشرح بإسهاب تفاصيل المعاناة اليومية التي تبث سمومها في الوجوه الفلسطينية كل صباح، ويطرح يوميات انتفاضة القدس وجيل التحرير، الكثير من المعالجات لقضايا لا تدركها الأمة وسط انشغالها بهمومها، ولا تعرف مدى التضحية في سبيلها.
لذا إن كان ثمة عتب فهو على القنوات العربية؛ التي تمتنع من بث كل ما من شأنه إلصاق المواطن بقضاياه الكبرى، وهموم أمته، بصورته الحقيقية، وليس صورته «المزوّقة»!
وإن كان ثمة طلب، فهو دعوة من الجميع بمتابعة المسلسل؛ الذي يحرض على العزة؛ ليتعرف الجمهور العربي على معاناة فلسطين، بلد الطهر، والقداسة، وما أثر الصمت العربي على ما يجري فيها!